سينما

“إنّني أنتظِرُ القدر”

“_مَاذاَ ستفعلُ بنَا ؟” _”لاَ أدرِي ، إنّني أنتظِرُ القدرَ”. هكذَا أجابَت الشخصيَّةُ البطلةُ “جون” -التي أدّاها الممثل الأمريكي دينزل واشنطن Denzel Washington في فيلم -JHON Q إحدى الرهائنِ الذين احتجزتهُم داخلَ المستشفَى. إنّه إرهابِيُّ بلاَ مشروعٍ.

من إنتَاج مَارك بِيرْغ Mark Burg وإِخرَاج نِيك كَاسَافيتس Nick Cassavetes، خرج الفيلم لشاشات العرض سنة 2002. فيلم من نوع أفلام الإثارة، الدراما والجريمة. تحَصّلَ على 7/10 على قَاعِدة بَيانَات الأَفلَام على الإنتَرنِت IMDb. لم يحصل على أيّة جَوائزَ ولَم يقَع ترشِيحه أصْلا. لكنّه فيلم مميّز بالقضايا التي يطرحها ويستحِقّ المُشاهَدة والتّأَمّل. ظَهرت السِينَاتور الأَمريكِيّة هيلاري كلينتون في مَشْهد منه دَاعية لإِصلاَح نِظَام الرِّعَاية الصِّحيَّة الأَمَرِيكي، وهذا من أهمَّ مَحَاوِر الفِيلم. ظُهورٌ يذكِّر برِهَان حِزبِ الدّيموقراطيِّين على قانون الرّعاية الصّحٍّية في برِنامجِهم للانتخابات الرّئاسيّة التي تكَلّلَت بِفوزِ مرشَّحِهِم باراك أوباما بولاية رئاسيّة ثانية. قانُون صَادقَت عَليْه المَحكَمة الأمَريكيّة العُليَا في أوَاخر شَهر يُونيو من هذه السّنَة. لكنّ هَذا لا يَمتُّ لأَحداثِ الفيلمِ بصِلَة مباشِرة ولعلّ الفِيلم سَاهمَ في تَحريك الرّأي العامِّ بلَفتِ انتِباهه لهذه المَسألة.

ما حدثَ هوَ أنَّ الأبَ جُون اكتشَفَ مصادَفَةً أنَّ قلبَ ابنِهِ أكبرُ ثلاثَ مرّاتٍ منَ قلبِ أيِّ طفلٍ عادِيٍّ وأنَّ هذا يعنِي أنّهُ يحتاجُ كمّيةَ دمٍ ليضخّها أكبر ممّا في جسدِ الطفل مايْك. أكّدَ الطبيبُ أنَّهُ لا مفرَّ منْ زراعَةِ قلبٍ آخرَ في صدرِ الطفلِ.هنا تبدأ المشاكِلُ : وحدَهُم القادرونَ على دفعِ 75ألف دولارِ كقسطٍ من ثلاثةٍ تُوضعُ أسماؤُهم في قائمةِ الانتظارِ.في الأثناء كانَ الولدُ يموتُ،وكانَ الأبُ والأمُّ لا يملكانِ المبلغَ المطلوبَ وهوَ ثُلثُ ما تتطلّبُهُ العمليَّةُ كُلُّها.كما أنَّ رصيدَ التأمينِ الخاصَّ بهمَا لا يكفِي لتسديدِ جزءِ بسيطِ منَ المصاريفِ.
المشكلةُ بمنطقِ مُجرّد أعلَى منَ الحادِثَةِ يتمثّلُ في عجزِ نظامِ التأمينِ الصحِّي على تغطيةِ حاجياتِ المواطنينَ.حتّى الحياةُ تُشترَى بالمال: إنْ دفعتَ أنقذت نفسكَ منَ الموتِ،وإنْ لمْ تدفعْ فلتذهب إلى الجحيمِ. هكذاَ هوَ نظامُ الرعايةِ الصحّيةِ والتأمينِ المتفرّعينِ عن نظامٍ رأسمالِيٍّ يضمُّ ما لطالما ردّدناهُ منْ مشاكِلَ عميقةٍ في طريقةِ توزيعِ الثروةِ وزيادةِ الفقراءِ فقرًا، وانفصالهِ عن قيمِ الرحمةِ لانتسابهِ إلى قيمِ المنفعةِ والربحِ والمردودِ. لا يعنِي شيئًا أنْ يموتَ إنسانٌ مادامَ لا يملكُ ما يجعلهُ يبقى حيًّا . المسألةُ بسيطةٌ إلى هذا الحدّ.

المهمُّ أنَّ جُون الأبَ قامَ باقتحامِ المشفى مسلّحًا وأغلقَ كُلَّ الأبوابِ وأعلنَ أنّهُ الإدارةُ الجديدةُ وأنّ أوامرهُ تقضي بأنْ يُعالجَ المرضَى الموجودُونَ مجّانًا، ثُمّ مضَى بالفكرةِ إلى أقصاهَا فاعتبرَهُم رهائنَ لديهِ ليستعملهُم ورقةَ ضغطٍ يُرغمُ بهَا الدولةَ على أن تُدرجَ ابنهُ الذِي يُحتضرُ على قائمةِ الأسماءِ التي تنتظرُ قلبًا جديدًا.

بغضّ النظرِ عنْ بقيّة الفيلم فإنَّ ما يهُمُّ قولهُ هوَ أنّ الكثيرَ منَ الحماقاتِ الكُبرى التي يرتكبُها أناسٌ عاقِلُونَ ليست غيرَ لحظةٍ منْ لحظاتٍ الانفجارِ النفسيِّ الذِي تراكمت أسبابهُ في نفوسهم وأنَّ الأنظمة التي تقومُ بإدارةِ حياةِ الإنسانِ وتتكفّلُ بتقسيمِها إلى مجالاتٍ يهتمُّ كُلُّ فرعٍ منْها بتصريفِ مصالحِ مجالٍ قدْ تكونُ سببًا كافيا لتوليدِ انفجارٍ كهذا. حينَ يحاصرُكَ الظلُم والقهرُ في المربّعِ الأخيرِ وظهرُكَ إلى الحائِطِ فستنبتُ لكَ أنيابُ ومخالبٌ وستتوحّشُ. إنَّ التوحُّشَ هو منْ صناعةِ الأنظمة التي تحكمُ حياةَ البشرِ وليس مجرّد سوءٍ كامنٍ في دواخلِهم يجعلُهم كائناتٍ مستعدّة للقتلِ أو الإرهاب.هكذاَ يجبُ النظرُ إلى القضيَّةِ. وهكذا يجبُ أن نلعنَ مجدّدًا إعلامنَا الوطنِيَّ لأنّهُ منْ هواةِ سينما الحمّام وغُرف النّوم .

 

* التفاصيل عن الإنتاج والتقييم ومشهد ظهور هيلاري كلينتون من إضافة فريق عمل قسم السينما.

شاهد الفيلم على يوتيوب:

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نضال السعيدي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..