مراجعات

تِبر إبراهيم الكونيّ، عالم الطوارق السّاحر

آسد ينكرد أمود نكفي تيزداج
اذ شاخت تانجين يتجير نمزاد

شعرٌ جميل.. لا أفهم منه شيئا تقريبا ولكن ستشعر أنك تفهمه و أنت تقرأ. إنّ شعر الطوارق، أولئك القوم الذين يعيشون بين ليبيا و الجزائر ومالي، أي يشاركوننا الصحراء، يشبه الشعر العربي في مضامينه على الأقل. و عناصر الحياة عندهم، كتلك التي تتردّد في أشعار الجاهلية عن صحراء بلاد العرب.

هذا على الأقل ما لاحظتُه، حالما قرأتُ رواية التّبر للكاتب الليبيّ الفذّ إبراهيم الكوني. الرواية قصيرة نسبيا، و هي مع ذلك ثريّة، حافلة بكنوز الصحراء المخبوءة إلا عن أبنائها. و تلك الكنوز هي أكبر نقاط قوة الرواية في رأيي. كيف تنبثق من فضاء مثل الصحراء، رمز السكينة والقحط والجمود، كلّ تلك الحكم و المعاني الجميلة، و الأساطير القادمة من أعماق الزمان؟ يذكّرني هذا التصوير الدقيق لعناصر الوسط الصحراويّ، ببعض أشعار الجاهلية كقصائد امرئ القيس أو لبيد، حيث تتجاوز القصيدة الاهتمام بعلاقة الإنسان بالإنسان، إلى علاقة الإنسان بمحيطه.

في التّبر، انطلق الكوني من عالم الطوارق المحليّ، ليتحدث عن واقع إنسانيّ ككلّ. فالعناصر التي استعملها، عناصر ذات دلالات عامّة مشتركة : الحبّ، المجتمع، السلطة، المال، الحرّية، المحرّم.. غير أنّ التّبر تنفرد بعنصر آخر يُجمع النّقاد على ندرته في الأدب العربيّ. إنّه الحيوان كشخصية روائية، بل كبطل ومحور تدور حوله الأحداث. إنّ الحيوان كمحور للعمل الأدبي ليس محدثا و لا جديدا على الأدب العربي، وهائية لبيدالشهيرة تشهد بذلك.

طبعا لا نتحدّث عن الحيوان الرّمز كما في كليلة و دمنة، و إنما نتحدث عن الحيوان بذاته، كشريك للإنسان في مجتمعه و حياته، و قيمة تتجاوز الوجه الماديّ. و المهريُّ الأبلق في رواية التّبر، يتجاوز بحضوره، ناقة لبيد أو جلمود صخر امرئ القيس، فهو يقود أحداث الرواية شأنه شأن صاحبه “أخيّد”. تعلّقُ “أخيّد” بأبقله هو دائما الدافع أو السببُ. و هو الكاشف عن الحكمة أو المعرفة و هو الـ … لا لن أكشف لكم شيئا يتعلق بالأحداث.

المهريُّ كحيوان بهذه الصفات الأدبية، يذكّرني بآخر نادر لعب مثل دوره من بطولة و إدارة للأحداث، أعني شخصية حمار الحكيم في رائعة الكاتب المصريّ الشهير. الفرق أن رواية توفيق الحكيم انبنت أساسا على وجود الحمار في وسط غير وسطه، أما في التّبر فالبناء تأسس على وجود المهريّ في وسطه الطبيعيّ، و هو ما يجعل من رواية الكونيّ ـ بهذا المعنى ـ أكثر أصالة.

الرواية ممتعة و أفكارها أصيلة، و بناؤها عفويّ و أسلوبها جميل، و عالمها ساحر آخّاذ. جرّبوا التبر، جرّبوا العيش في عالم الطوارق.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

فاروق فرشيشي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..