تاريخ

وديع حداد ، مطار الثورة وطائرات أيلول

صُراخ الركّاب من حولها لم يمنعها من طلب ولّاعة لإشعال سيجارة الـ Dunhill من علبة كانت قد اشترتها من السوق الحرّة في مطار فرانكفورت، أمسكت المايكروفون بيدها وخاطبت ركّاب الـ TWA وباقي الطاقم في الخلف:

Calm down everybody, this is your new captain speaking, we are taking you to a friendly country. Thanks for your listening

ليهدأ الجميع، الكابتن الجديد يتحدث معكم، سوف نأخذكم إلى بلد صديق، شكرا لانصاتكم.

لتبدأ في السادس من أيلول/سبتمبر 1970، قبل خمسة وأربعين سنة، رحلة طويلة من سماء فرانكفورت نحو حقل داوسون “Dawson’s Field” أو ما عُرِف لاحقا بـمطار الثورة في الأردن. وهي طائرة من أربعة تمّ التّخطيط لخطفها من قبل الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين.

_ “هُنا نصل إلى محطة كبيرة هي خطف الطائرات إلى مطار الثورة في عمّان، من اتخذ القرار؟”

_ “في تقديري أنّ القرار اتخذه الدكتور جورج حبش. كانت المنطقة تعيش أجواء مبادرة روجرز التي قبلها الرئيس جمال عبد الناصر. كان لدى القيادة تحليل مفاده أنّ القبول بالتّسوية السّلمية يعني القضاء على المقاومة الفلسطينية. في هذه الأجواء وجّه حبش رسالة إلى وديع حدّاد يُمكن إختصارها بكلمتين هما “أشعِل المنطقة”.”

الجواب هنا على لسان أحد رفاق الدكتور جورج حبش والشهيد الدكتور وديع حدّاد ضمن سلسلة وثائقيّات حكاية ثورة. اتُّخذ قرار عملية اختطاف الطائرات في بيروت واستغرق الإعداد لها ستة أشهر. قام وديع حدّاد بالتخطيط وتابع التنفيذ لحظة بلحظة بل وشارك فيه، فهو من خرج من مطار الثّورة برفقة الرّهائن نحو عمّان. وقد كان جورج حبش آنذاك في كوريا. منذ هذه العملية بدأت الحساسية بين حداد وحبش وكانت بداية القطيعة، كما تمّ إثرها قطع موازنة العمل الخارجي. هُنا وثيقتان بخط الشهيد حدّاد، الأولى تُحدّد كيفية خطف الطائرات والسّيطرة عليها والتوجه بها لمطار الثورة، والثّانية تحمل توجيهات الدكتور أبو هاني للخاطفين في حال تعرّض الطائرات المخطوفة لمطبّات هوائية.

11225724_10207764524770566_7148938093940163346_n  12002081_10207764525650588_6253426713175574434_n

اختار وديع حداد وأحد المهندسين مطار الثورة، وهو مطار قديم كان يُستعمل في الحرب العالمية الثانية في منطقة قريبة من الزرقاء تسمى قيعان خنا. كان من المفترض أن تحطّ فيه أربع طائرات: بريطانيّة، أمريكيّة، سويسريّة واسرائيليّة. وصلت طائرتان فقط للأردن، البريطانيّة والسويسريّة. كما تمّ اختطاف طائرة ثالثة بريطانيّة على يد فلسطينيّ من البحرين لا علاقة للجبهة الشعبية بها، نفّذها بمبادرة فردية شخصية، لكنّها حطّت في مطار الثورة بإذن من وديع حداد بعد ثلاثة أيام أي بتاريخ 9/9/1970 الساعة الرابعة والنصف عصرا.

لم تصل ليلى خالد الأردن، وتمّ إفشال عملية خطف الطائرة TWA-741التي نفذّتها مع ابن الجبهة الساندينية للتحرير الوطني وابن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وابن فلسطين الشهيد النيكاراغوي باتريك أرغويللو. عن شهادة لأحد ركّاب الطائرة، من كتاب ديفد راب   Terror in Black September، أعطى أورغويللو تعليماته للكابتن بالتواصل مع برج المراقبة وإعطائه الأمر بتغيير إسم الرحلة من TWA-741 إلى “Gaza Strip قطاع غزّة” على جهاز التواصل مع الطائرة وأنه لن يُجاب على أي رسالة يتم النداء بها بغير هذا الإسم.

11986581_10207758780546964_3085616476769605123_n

استشهد أورغويللو أثناء العمليّة  وكان قد تمّ منع رفيقين آخرين من السّفر قبل إقلاع الطائرة التي نزلت اضطراريّا بعد إفشال عمليّة الخطف في لندن.

1795495_10207757489394686_4898180629177352022_n (1)

احتفال مسافرين طائرة العال بوينغ 747 المختطفة مع أصدقائهم وعائلاتهم بعد وصولهم مطار كينيدي الدولي من لندن.

11911673_10207772750696209_897607486_n
طائرة أخرى لم تصل الأردن هي طائرة Pan Am flight 93 التي أقنع قائدها الخاطفين بأنّ المطار لن يكون قادرا على تأمين نزولها بسبب حجمها الكبير. فأمروه بتحويل وجهتها نحو مطار القاهرة، حيث تمّ تفريغها من طاقمها وركّابها وتفجيرها مباشرة إثر نزولها. في الصورة أسفله الفدائيون الذين نفّذوا العملّية أثناء استجوابهم من السلطات المصرية. من اليسار سمير عبد المجيد، مازن أبو مهنيد وعلي سيد علي في مطار القاهرة بعد تسليم أنفسهم.
11419870_10207772751376226_223854641_n
وصلت طائرتا الجبهة الشعبيّة إلى مطار الثورة ولحقتهما طائرة العمليّة الفرديّة بأمان. ولاقى ركّاب الرحلات الثلاثة معاملة طيّبة بشهادة الصحفيين والرّكاب. إذ يتحدّث ديفد راب Terror in Black September عن علاقات الفدائيّين الخاطفين بأطفال الرّكاب خلال الرحلة وتفاصيل أخرى لرحلة المفاوضات الطويلة التي انطلقت بعد وصول الطائرات وانتشار أخبار خطف الطائرات في الإعلام العالمي.

ردّا على الموقف الأمريكي من عمليّة خطف الطائرات في مطار الثورة، تمّ توزيع بوستر في شوارع عمّان في اليوم التالي لعملية الخطف يحمل العنوان “سرحان بشارة سرحان فدائي وليس قاتِلا ! “.

11958122_10207757957606391_2083441019755229660_o
وسرحان بشارة سرحان هو البطل الفلسطيني الذي اغتال السيناتور الأمريكي روبرت كيندي، ممّا عقّد المفاوضات بخصوص الركاب الرهائن في الأردن أكثر فأكثر. كانت أوّل كلمات الشهيد غسان كنفاني بعد سماعه أنّ الطائرات قد حطّت بسلام في مطار الثورة: “غدا يكون سرحان حُرّا !“. البعض رفض نظرية أن يكون لسرحان أي علاقة بالثورة الفلسطينية وأنّه محض قاتل مأجور فقط.
1898126_10207757960086453_3372569771242287973_n
لم يتعرّض أيّ من الركّاب لأذى بل وتمّ نقلهم إلى نزل كونتينانتال عمّان لاحقا تحت إشراف وديع حداد نفسه حتّى انتهاء المفاوضات مع الاحتفاظ ببعضهم من موظّفي الدولة الأمريكيّة والاسرائيليين وحاخامين لمزيد الضّغط لاطلاق سراح ليلى خالد ورفاقها وسجناء وأسرى في سجون الاحتلال. حاولت فتح الاستيلاء على الطائرات والسّيطرة عليها لكن تمّ منعها ومنع أيّ شخص من الاقتراب للطائرات حتّى الوصول إلى اتفاق مع الجيش الأردني بنقلهم للعاصمة عمّان. تمّ نسف الطائرات يوم 12/09/1970. استمرّ احتجاز الرهائن حتّى يوم 16/09/1970 حيث سُلّموا لمصر عندما اشتعل الوضع في الاردن وبدأت الحرب على الفدائيين.
ملاحظة: شارك في إعداد وصياغة المادّة نهى سعداوي.

المصادر:

  • كتاب Battle de Amman سبنسر توكر
  • الأرشيف السري لـ CIA ومراسلات شهر سبتمبر
  • كتاب Terror in Black September ديفيد راب
  • كتاب أسرار الصندوق الأسود غسان شربل

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

محمد الحريبات

هاوي عربي يكره النُخبة.

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..