شخصيات

علي عزت بيجوفيتش

الكاتب: نهى سعداوي

 “هو ظاهرة من تلك الظواهر الفريدة في تاريخ الإنسان وتاريخ الإسلام، بل الاثنين ليتحقق البعد الإنساني العالمي الشامل الكوني للإسلام. هذه لحظة من اللحظات الفريدة حينما يظهر الإنسان الإنسان، الإنسان الذي له أصول ربانية وليست أصوله مادية، الإنسان الذي خلقه الله ونفخ فيه من روحه، في علي عزت بيجوفيتش نجد هذه الملامح.” عبد الوهاب المسيري

ولد علي عزت بيجوفيتش في مملكة يوغسلافيا في الفترة بين الحربين العالميّتين، سنة 1925 تحديدا. درس القانون وعمل مستشارا قانونيّا لخمسة وعشرين سنة ثمّ ترك عمله ليتفرّغ للكتابة. أسس مع بعض زملائه ناديا أو جمعيّة دينيّة أسموها “ملادي مسلماني” خاصّة وأنّ المناهج التعليميّة آنذاك لم تكن تشمل موادا عن الدين الإسلامي كما أنّ المسلمين في المملكة كانوا أقليّة. هذه الجمعيّة كانت بداية الطريق الفعليّ لبيجوفيتش المفكّر والمناضل السّياسي والرئيس الأوّل لجمهوريّة البوسنة والهرسك لكنّ ظروفا كثيرة ساهمت في تكوينه وجعلته الشّخص الذي قال عنه المسيري “المجتهد والمجاهد”.

قرأ بيجوفيتش الأعمال الكلاسيكية للفلسفة الأوروبية في بداية شبابه، وكانت دراسته في  مدرسة يطغى عليها الفكر الشيوعي قد فتحت عينيه على هذا الفكر وولدت في نفسه حيرة خاصة في ما يتعلّق باعتقاده في الله، لكنّه انتهى إلى إيمان أعمق غير السطحيّ الفطريّ الذي ورثه كمسلم. “الكون من دون الله بدا عبثا بالنسبة لي.”، هكذا يقول. يقول المسيري في محاضرته عن علي عزت بيجوفيتش أنّ قراءات الرجل ومعارفه قد شملت الفلسفة الغربيّة مثل كتابات جورج فيلهلم فريدريش هيغل وباروخ سبينوزا وإيمانويل كانت، ولم تكن مجرّد قراءات ومعارف بل تدعّمت بالتفكير فيها، لم يكن قارئا مطّلعا فقط بل مفكّرا معملا ذهنه في ما يطّلع عليه. ولعلّ كلماته نفسها تخبر عنه:

“القراءة المبالغ فيها لا تجعلنا أذكياء، بعض الناس يبتلعون الكتب وهم يفعلون ذلك بدون فاصل للتفكير، وهو ضروري لكي يُهضم المقروء و يُبنى و يُتبنى ويُفهم. عندما يتحدث إليك الناس يُخرجون من أفواههم قطعا من هيجل و هايديجر أو ماركس في حالة أولية غير مصاغة جيدا. عند القراءة، فإن المساهمة الشخصية ضرورية مثلما هو ضروري للنحلة العمل الداخلي والزمن، لكي تحول رحيق الأزهار إلى عسل.”

توسّع نشاط الجمعيّة التي أسسها بيجوفيتش إلى غير النقاشات واللقاءات الفكرية لمجموعة من الشباب المسلم ليشمل العمل الخير الاجتماعي وينشَأ فيها قسم للفتيات المسلمات. وقد كان أثرها في مجال العمل الإنساني جليّا خاصّة أثناء الحرب العالميّة الثانية عبر إغاثة المنكوبين وإيواء اللاجئين وتخفيف معاناة الناس الناتجة عن الحرب. حين احتلت ألمانيا النازيّة عملت الجمعية على استصدار فتوى تمنع المسلمين من الالتحاق بالحزب الفاشي ومقاطعته مما أزعج النظام الحاكم آنذاك بقيادة  جوزيف بروز تيتو. ولعلّ هذا إضافة لمعارضته الصريحة لحكم تيتو ما أدّى إلى اعتقاله والحكم عليه بأربعة عشر سنة رفقة نشطاء بوسنيين آخرين إثر محاكمة صوريّة. وقد نددت منظمات حقوقية دولية عديدة بالحكم القائم على ادعاء “القيام بنشاط معاد مستوحى من القومية الإسلاميّة”، ليطلق سراحه في أواخر الثمانينات مع اهتزاز النظام الشيوعي في البوسنة والهرسك والعالم عموما.

أسس بيجوفيتش الحزب القومي الديموقراطي سنة 1990 على خلفية فسح المجال للعمل السياسي في جمهورية يوغسلافيا الاشتراكية الاتحادية وقد كان حزبا ذا طلبع إسلامي. كما قامت أيضا أحزاب على خلفيات عرقية صربية وكرواتية. فاز الحزب في الانتخابات البرلمانيّة ونُصِّب بيجوفيتش رئيسا لجمهورية البوسنة والهرسك سنة 1990، لتندلع خلافات تطوّرت لتصبح نزاعات داخليّة ثمّ حربا، تشبث خلالها بيجوفيتش بالسيادة والوحدة الوطنيّة وحاول جاهدا أن يحول دون تقسيم البلاد. انتهى الصراع في البوسنة والهرسك باتفاقية دايتون 1995 بعد ثلاثة سنوات من الحرب، تعرّض خلالها البوسنيون لحملة تطهير عرقي لعلّ أهمّ ما فيها تأسيس نظام حكم كونفيدرالي برئاسات ثلاث تمثّل المسلمين، الصرب والكروات، كان فيه بيجوفيتش رئيسا عن المسلمين لدورتين.

نتاج علي عزت بيجوفيتش الفكري غزير. بدأ في شبابه على شكل مقالات باسم مستعار نشرت في مجلة “تاكفين” التي تصدرها جمعية العلماء برئاسة الشيخ “حسين دوزو” المكلّف من طرف الحكومة بالإشراف على شؤون المسلمين.ويعتبر كتابه الإسلام بين الشرق والغرب، من أكثر مؤلّفاته شهرة وقيمة. كتب أيضا  هروبي إلى الحرية في السجن، عوائق النهضة الإسلامية، الأقليات الإسلامية في الدول الشيوعية بالإضافة لكتاب الإعلان الإسلامي.

توفّي بيجوفيتش سنة 2003 بعد فترة قصيرة من اعتزاله النشاط السياسي نظرا للضغوط الدولية التي تعرّض لها بسبب مواقفه الدينية المحافظة واعتباره أحد زعماء الحرب في البوسنة والهرسك. وقد ظلّ وفيّا لفكرة الوحدة الوطنية ومؤمنا بها، يقول: “معركة توحيد البوسنة وترسيخ الديمقراطية تتقدم خطوة خطوة وسوف تنتصر البوسنة.”

المصادر:

هنا هنا هنا

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نهى سعداوي

تونسيّة، متحصلة على الماجستير في اللسانيات الانجليزية. مهتمة بالترجمة ودعم المحتوى العربي. هاوية كتابة. مناصرة للقضية الفلسطينية، لقضايا العرب والمسحوقين أينما كانوا.

2 Comments

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..