ترجمة علم نفس

الكائنات الأضعف

الكاتب: كيرلس بهجت

اسم هذا الملصق “Anger Transference/نقل الغضب”، للرّسام الأمريكي Richard Sargent والذي رسمه تحديدا يوم 20 مارس 1954.

“البوستر” مكون من أربعة لوحات:
اللوحة الأولى: مدير يصرخ على موظف في العمل.
اللوحة الثانية: الموظف يعود لبيته، يصرخ على زوجته.
اللوحة الثالثة: زوجة الموظف تصرخ على طفلها.
اللوحة الرابعة: الطفل يصرخ  على القطة.

التفريغ/displacement واحد من آليات الدفاع النفسي. حين يمرّ الانسان بضغط كبير، يبحث عن أي شي ليفرغ غضبه. والهدف من التفريغ هو استرداد وهمي للسيطرة. فالمدير يهين الموظف الذي يعود للبيت فيشتم ويهين وقد يعتدي على زوجته التي لا ذنب ولا علاقة لها بما فعل مديره. الزوج يحاول ببساطة أن يثبت لنفسه أنه قادر على الغضب والثورة. لم يُسلب منه حقه بعد في الجعجعة والصوت العالي.

أمر آخر فيعلاقة بالتفريغ، هوأنّ الإنسان المقهور يشعر بأنّ الذي مرّ به انتقل لأشخاص آخرين وإن لم يكن لهم علاقة بالحدث نفسه، لكنّه على الأقلّ ليس وحده الذي عاش القهر فقد أصبح له شركاء. من أهم صفات الأشخاص الذين يتم تفريغ طاقة الغضب فيهم، أنّهم أضعف أو أصغر من الشخص المقهور حتى يضمن أنّه لن يلقَ اعتراضا ولا ردّ فعل بذات الطريقة الغاضبة. كلّ هذا يجبر المجتمع على خلق كائنات أضعف لتقوم بدورها في تحمّل الغضب وامتصاص القهر. كلّ هذا يخلق طبقة “الكائنات الأضعف “!

إعداد طبقة الكائنات الأضعف يبدأ منذ الصغر. يتمّ تربيتها على تحمّل الضغط وإقناعها بذلك بمبرّرات مجتمعية أو دينية. وعندما تكبر قليلا، يتمّ تخويفها من أيّ محاولةٍ لرفض التفريغ لأنّ العواقب تكون غالبا في غير صالحها. آخر خطوة هي حشو رؤوسها بأن السكوت والرضوخ للقهر واجب من واجباتها تجاه المجتمع ليستمر استقرار الحياة. مع الوقت، تتأقلم طبقة “الكائنات الأضعف” مع الوضع وتتعايش معه كأنّه أمر طبيعي جدا ليس فيه انتقاص من حقوقها أو كرامتها، بل وعلى العكس تماما قد تهاجم أيّ شخص يحاول مساعدتها أو الدفاع عنها. والمدهش أكثر في الموضوع أنها بدل التفكير في رفع الضّغط أو القهر عن نفسها، تحاول أن تبحث على كائنات أضعف منها لتمارس هي أيضا حقها في القهر والتفريغ. وإن لم تجدها، تخلقها! وبهذه الطريقة يتشكّل مجتمع كامل من الكائنات الضعيفة الهشّة المحبوسة في سجن السادية والغارقة في محيط القيم الفاسدة.

في ظل الفشل الاجتماعي والتشوهات النفسية التي نعيش فيها، أكاد أجزم أن لا أحد منا استطاع النجاة من طبقة “الكائنات الأضعف”. كلنا مررنا بها في إحدى مراحل حياتنا. وقد تجاوز الأمر ذلك، فمفهوم القوة قد تمّ تشويهه وتحريفه عندنا. كلّنا بلا استثناء تمّ تفريغ كميات من الغضب والقهر والظلم فينا وسيتم تفريغ شحنات أكثر وأكثر مستقبلا. لكنّي أتمنى أن نكون نحن آخر طبقة “كائنات أضعف” في مجتمعاتنا. فلنكن آخر محطة في سلسلة القهر، فلا نساهم في تدمير وتخريب عقول ونفوس أجيال ثانية لا ذنب لها. فإن كنّا غير قادرين على الوصول إلى السطح، لا نشدّ آخرين إلى القاع!

أعمال أخرى لـريتشارد سارجنت/RichardSargent :
http://www.allposters.com/-st/Richard-Sargent-Posters_c143328_p2_.htm

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

كيرلس بهجت

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..