تاريخ سياسة و مجتمع

الشّخصية التّونسيّة: الحدّ الأدنى. رأي في فقد شجاعة الشجعان!

استعادتي غير المتخصصة لتاريخ بلدي جعلني دوما أرى أنّ قاعدة التّحولات الكبرى التي مرّ بها كانت بتأثير خارجي وليس من الداخل. بعضها نقبله ونمجده، مثل التغييرات التي أحدثها العرب المسلمون القادمون من الشرق أو العائدون من الغرب الإسلامي. وبعضها لا نعاديه تماما مثل الغزو التركي، إذ نراه من زاوية تحريرنا من الأسبان. بعضها معاد تماما ومحلّ رفض، الاستعمار الغربي رغم وجود مرحّبين. لكن الجامع بينها كلها أنها مؤثرات وافدة. نقضي طويلا حتى نهضمها وتصير مكونات داخليّة. البلد الوحيد الذي ذوّب الأتراك في أهل البلد عبر الزواج هو تونس.

في هذه المرحلة، بدا كأنّ الربيع العربي تغيير داخلي. لكن إفشاله وتفريغه يتم من الخارج. فعدنا إلى نظرية التحولات المنقادة من الخارج. التأليفية ((la synthèse)) بين الخارجي والداخلي صنعت طبيعة الشعب التونسي، ذكاء هو كما نحبّ أم نفاق كما يرى من غيرنا. نحن بارعون في ذلك. اجتنب أهلنا دائما خوض الحروب، ووجدوا المبررات. البعض يقول قوتنا في ضعفنا، وهو تحليل لبناني فثمّة تشابه في الحالتين. في خلاصتنا نحن تجّار ماهرون، ربّما هو ميراث فينيقي من جدتنا عليسة. نحوّل الكثير من العنف الدّامي إلى سباب فاحش ونجتنب الدم (تذكّر كيف فاوض بورقيبة). قبل ذلك ما كان أسهل ما دخل المستعمر بلدنا بلا دماء. حتّى إنّ البعض استقبله بمهرجانات فروسية. لم ننتج لا عبد القادر ولا عمر المختار ولا الخطابي.

أميل إلى أن هذا أهم ملمح في الشخصية الأساسية التونسية. أنصاف الحلول: عبر أنصاف الانتصارات وأنصاف الهزائم، انتظار الطبخة والعيش في درجات الرمادي. أسميها “الحدّ الأدنى” من كل شيء ومن كل فعل ومن كل مجد. إنّه يكفي للمعاش. لن نموت ولكن، لن نحيا بتلك النخوة الباهرة المغرورة. لاحظوا مقدار غرورنا الكلامي في الكرة، ربحنا مرة كأس إفريقيا بلاعب مستورد. نحن شعب كثير اللغو قليل الشجاعة. مسرحنا نسخة من مسرح فرنسي وسينماؤنا هامش فرنكوفوني لم ينل جائزة أبدا، وقس على ذلك. شاعرنا الأحب إلينا نسخة من الرابطة القلمية وشعراء المهجر اللبناني.

ربّما هذا سرّ محبّتنا لرجل مثل صدام حسين، فحل قوي. ربّما هذا سر إعجابنا الآن ببوتين وأرودغان. على خلافهما، فهما نموذجان للقوة المغرورة أو الواثقة أو الشجاعة. ربما تكون فينا ميولات أنثوية لم تستهجن إلا قليلا مسألة المساواة بين النّوعين. ربما أيضا هذا سرّ التخمة القانونية التي ننتجها. حيث النص القانوني يسهّل الحيلة -التحايل- ويفسد طريق السيف والقطع. أحيانا، أظنّ أنّ السلفيين القتلة، وهم قلّة، يهربون من هذه الشخصية الباهتة لأنّ عشقهم للقوة هو بحث عن كسر هذا النموذج والفرار منه، تقزّزا.

نحتاج نفسيا إلى غلاف من القوة، للتعويض. نحن مثلا مالكيون في أحكام الخمر -التشدد الأقصى- لكن عمليّا، نحن أكبر المنتجين والمستهلكين. ومن يبحث في الفتاوى التونسية سيجد هذه الحلول النصفية غير القاطعة. هل هو ذكاء أم نفاق؟ ابن خلدون يحيل إلى الجغرافيا الطبيعية. فشعوب البسائط أي السهول الزراعية هم شعوب سهلة الانقياد لأنّ مكسبهم في الأرض. سهولة الانقياد هي تجارة موقف، أي نصف حلّ بين حرب وسلم: “دع لي أرضي وخذ الضريبة”. هذا بعض ما يساورني وهو ليس علما، لذلك يمكنكم نقله ولكن ليتكم تناقشونه برويّة في انتظار تغيير من الخارج، أطمع فينا حتى “بعران” الإمارات.

الصورة المرافقة: “عليسة تشتري الأرض لتأسيس قرطاج” لماتياس مريان – 1630

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نور الدين العلوي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..