تاريخ ترجمة

“الاعتصام” أسلوب احتجاج سلميّ تاريخيّ

الكاتب: نهى سعداوي

الاعتصام هو مظهر احتجاجي ضدّ سياسة ما أو قرار ما، يكون مختلفا عن الاحتجاج في مسيرة أو تظاهرة أو مظاهرة في الشّوارع والسّاحات. أهمّ ما يميّز الاعتصام أنّه أسلوب احتجاج لا عنفي، يكون غالبا بالاحتلال السّلمي لمكان أو مقرّ يرمز للجهة التي تمارس السّياسة المحتجّ عليها أو القرار المرفوض أو التي توجَّه لها مطالب المحتجّين. تكون نهاية الاعتصامات بأحد أمرين، إمّا إخلاء مقرّ الاعتصام بالقوّة من قبل السّلطات أو بتحقيق مطالب المعتصمين.

البدايات:

يرتبط الاعتصام تاريخيّا بحركة الحقوق المدنيّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة المناهضة للفصل العنصري على أساس اللّون الذي استهدف السّود. بدأ هذا النّمط من الاحتجاج في سنوات الأربعين من القرن الماضي وتعتبر بيرنيس فيشر/Bernice Fisher عرّابة فكرة “الاعتصام في المطاعم”، وهي طريقة اعتمدها النّشطاء للتّعبير عن رفضهم لسياسة الفصل العنصري في الأماكن العموميّة كالمطاعم والمكتبات ووسائل النّقل وغيرها. وقد اعتمدت لاحقا بشكل منظّم أكثر ولاقت صدى كبيرا خاصّة في السّتينات. بيرنيس فيشر من أبرز نشطاء الحقوق المدنيّة وهي من الأعضاء المؤسّسين لكونجرس المساواة العرقيّة/Congress of Racial Equality سنة 1942 في شيكاجو، الينوا.

بيرنيس فيشر، ناشطة في مجال الحقوق المدنيّة

بيرنيس فيشر،

في شهر أوت/أغسطس سنة 1939، نظّم المحامي الأمريكي الأسود سامويل ويلبرت/Samuel Wilbert  اعتصاما في مكتبة الاسكندرية في فرجينيا احتجاجا على سياسة الفصل كذلك. وهو يعتبر أوّل اعتصام في تاريخ الولايات المتّحدة. تلاه اعتصام بعد شهر في نفس السّنة نظّمه أتباع الأب ديفين/Father Divine وحركة بعثة السّلام الدّولية/International Peace Mission movement واتحاد العمّال احتجاجا على الممارسات العنصريّة في انتداب العملة في سلسلة محلّات نيويورك شاك سندويتش/New York’s Shack Sandwich Shops. td sk. أمّا في سنة 1942، فقد قاد جايمس فارمر/ James Farmer, Jr، وهو منظّم رفقة المصالحة/Fellowship of Reconciliation، سبعة وعشرين شخصا في اعتصام في محلّ Jack Spratt Diner احتجاجا على سياسته العنصريّة في خدمة الزّبائن فلا يقدّم الطّعام للسود. تدخّلت الشرطة لكنّها أعلمت صاحب المطعم ألّا قوانين اختُرقت وتمّ إغلاق المحلّ تلك الليلة، لكنّه توقّف عن اتباع سياسته العنصريّة تلك.

الاعتصام في السّتينات وقانون الحقوق المدنيّة:

كانت الاعتصامات جزءا هامّا من الاستراتيجيّات السّلميّة في العصيان المدني والاحتجاجات الشّعبيّة التي أدّت لصدور قانون الحقوق المدنيّة سنة 1964 أو ما يعرف بـ Civil Rights Act of 1964 الذي وضع حدّا أو نهاية للفصل العنصري في الولايات المتّحدة الأمريكيّة بصفة قانونيّة. كما ساهم هذا الأسلوب في الاحتجاج في صدور قانون حقوق الانتخاب سنة 1965/ Voting Rights Act of 1965 الذي أسقط عديد الحواجز المقامة على أساس عنصريّ لمنع غير البيض من ممارسة حقّهم في الانتخاب.

الطّلبة السود الأربعة في مشربة وولورث التي ترفض خدمة السّود، في اليوم الأوّل من الاعتصام.

الطّلبة السود الأربعة في مشربة وولورث التي ترفض خدمة السّود، في اليوم الأوّل من الاعتصامات.

اعتصامات  Greensboro Four:

تعتبر سلسلة اعتصامات جرينسبورو/Greensboro sit-ins من أشهر الاعتصامات في تاريخ حركة الحقوق المدنيّة رغم أنّها ليست الأولى. أمّا سبب شهرتها فهو لفتها لانتباه وسائل الإعلام وإحرازها على تفاعل كبير في كلّ الجنوب الأمريكيّ مما أدّى لموجة كبيرة من الاعتصامات المشابهة. قام أربعة طلبة سود -عرفوا لاحقا بـA&T Four أو Greensboro Four متأثّرين بسلميّة المناضل الحقوقيّ مارتن لوثر كينج/Martin Luther King, Jr سنة 1960 باعتصام يوميّ في محلّ وولورث في كارولينا الشّماليّة الذي يتبع سياسة عنصريّة في تقديم خدمات المشرب والمطعم ضدّ السّود. وحيث رفض العاملون تقديم القهوة للسّود الأربعة، لازم هؤلاء أماكنهم في المشربة حتّى أغلق المحلّ أبوابه ليتواصل الاعتصام اليوميّ بالتحاق طلبة وطالبات آخرين وينتشر في مناطق أخرى من كارولينا الشّماليّة ويحظى بتفاعل وسائل الإعلام تلفزيونا وجرائد. ويحظى النّشطاء بدعم حتّى من بيض مناهضين لسياسة التفرقة العنصريّة.

رغم العدائيّة التي واجهتها الاعتصامات والتي تعرّض لها من يدعمها أيضا، فقد تواصلت وحقّقت كما أسلفنا أهدافها قانونيّا وعلى الأرض. وقد تحوّل محلّ وولوورث لمتحف ومركز عالمي لحقوق الإنسان افتُتِح في الذّكرى الخمسين لإحياء ذكرى اعتصام Greensboro Four، كما أقيم نصب تذكاريّ للنّشطاء الأربعة تخليدا لذكرى الاعتصام الذي كان خطوة هامّة نحو تحقيق أهداف التحرّكات المناهضة للفصل العنصري في الولايات المتّحدة.

التعامل العنيف من بعض البيض مع أبيض يدعم اعتصام النّشطاء السّود.

التعامل العنيف من بعض البيض مع أبيض يدعم اعتصام النّشطاء السّود.

خاتمة:

الاعتصام أسلوب احتجاج سلميّ يُعتمد كأداة ضغط مباشر للتّغيير. وقد كان أداة فاعلة في تاريخ التّحرر الإنساني والأنشطة الحقوقيّة، وقد اعتُمِد في الثّورات العربيّة. نذكر مثلا اعتصامات الشّباب التّونسي بالقصبة والتي أسفرت -على مراحل- عن توجّه نحو كتابة دستور جديد وانتخابات تشريعيّة تمهّد له. وقد سبقته وتلته اعتصامات للطّلبة والسّياسيين المعارضين وأصحاب الشّهائد من المعطّلين عن العمل، لا تزال اعتصاماتهم قائمة هذه الأيّام. تُواجَه الاعتصامات أحيانا بأساليب قمعيّة في فضّها من السّلطات ونستذكر هنا حدثا غير بعيد زمنيّا ومكانيّا قد يرتقي لمستوى الجريمة وهو “فضّ اعتصام ميدان رابعة العدويّة” في مصر.

المصادر:

https://en.wikipedia.org/wiki/Sit-in

https://en.wikipedia.org/wiki/Greensboro_sit-ins

http://content.time.com/time/photogallery/0,29307,1957689,00.html

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نهى سعداوي

تونسيّة، متحصلة على الماجستير في اللسانيات الانجليزية. مهتمة بالترجمة ودعم المحتوى العربي. هاوية كتابة. مناصرة للقضية الفلسطينية، لقضايا العرب والمسحوقين أينما كانوا.

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..