مجتمع

بين الدونية والتفوّق.. العربي والغربيّ ووباء العنصرية

الكاتب: علي سام

قضيت سنوات كثيرة من حياتي وأنا أعتقد بأنّ الأوربي أكثر تقدّما مني وبالطبع كانت لديّ أدلة تؤكد ليّ صحة نظرتي. بشكل عام، الأوربي لا يتدخل بشؤونك الشخصية ولن يتمادى بالقول: “لماذا لا تنجب أطفالا أخرين؟” في أوروبا لك الحق أن تكون إنسانا بسيطا وليس هناك تحرّج من أمور الحياة الطبيعية. من حقّك أن تقول أنّك لست ذكيّا ومن حقك أن تقول أنّك لا تحب النساء ولا تشعر بحاجة للتظاهر بأنّك أقوى أو أجمل أو اذكى. بالطبع فإن أهم شيء هو أن الدول الأوروبية متقدمة ومن الطبيعي أن يتصوّر إنسان مثلي أن أبناء الدول المتقدمة أكثر تطورا مني.

مرّت سنوات كثيرة قبل أن أفهم أنّ التّصوّر بأنّ هناك من هو أكثر تطوّرا منّي يقود بطبيعته إلى شعور بالدّونية والاستعباد وأنّ الحقيقة ليست كما تصوّرت وكلّما تعرّفت على أفراد أكثر كلّما عرفت أنّنا نتشارك ذات المشاكل وأنّ من يشعر بالتفوق ليس سوى الوجه الآخر لمن يشعر بالدونية وكلاهما يغذيان النظرة العنصرية عن العالم. هنا في أوروبا، هناك من يؤمن بالسحر والغيب ومن يؤمن إنّ حروب بلاده كلّها كانت لتحرير البشر. وهناك من هو مستعبَد للبحث عن الثروة والسلطة حتى حين تكون على حساب حياة إنسان آخر. هناك المنافق واللّص والدّجّال وهناك من يريد أن يغشّك ويستغلّك ومن يتاجر بالسّلاح والبشر وهناك بالطبع الإنسان الطيّب والبسيط ومن يصارع ليتخلّص من شعور التّفوق الذي ورثه عن أجداده. نحن، بكلّ هويّاتنا وأجناسنا، نشأنا للأسف في عالم علّمنا العنصرية فتكبّر بعضنا وتضاءل البعض الاخر.

في العراق، ورثنا تصوّرا يقول بأنّ لغتنا العربية أجمل لغات العالم وللأسف الشّديد تغذينا بمفهوم يقول أنّ الإنسان كلّما كان أكثر بياضا كلّما كان أجمل. وهذا مزيج غريب من التفوق اللغوي والدونية اللونية التي خلقتنا ببشرة سمراء. أردنا أنفا دقيقا وبشرة بيضاء وكرهنا شكلنا بدل أن نتقبّله فقرّرنا أنّ هناك الجميل وهناك البشع ومن يُخلق بشعا عليه أن يتحمّل أشياء كثيرة ولا يقترب من النساء الجميلات إلا إن كان ثريا. أيّ نظرةٍ سطحية!

اليوم، وأنا أحاضر في جامعتي نام أربعة طلّاب فابتسمت وتذكّرت اليوم الذي طردني فيه أحد الأساتذة من الفصل في بغداد لأنني نظرت إلى الخارج لبضعة ثواني. ثمّ ابتسمت مرّة أخرى لأنّني أعرف أنّ من نام سيحصل على عمل ويفتح بيتا أمّا من يجتهد اليوم في جامعات العراق فهو ربما لن ينتج أيّ شيء لانّ النّظام لا يسمح. الفرق بين الشعوب ليس ولم يكن يوما فرقا بين الأفراد بل هو دائما فرق بين أنظمة وفرص مختلفة يولد فيها فرد نابغ في عالم يسمح له أن يُبدع أو يولد في وسط حرب لا تفرّق بين أكثر الناس حكمة وأكثرهم جهالة. 

هذه الرحلة الغريبة علّمتني أنّ التّعالي والطائفيّة وتقديس الأصل والنّسب والعرق والهويّة الدينية ليست سوى شيء واحد ينبع من مصدر قذر اسمه العنصرية. الشيعيّ الذي يتصوّر أنّ السّنة حواضن للإرهاب عنصريّ والسني الذي يُكفّر الشيعة عنصري والعربي الذي يتكبّر على الكورد عنصري والمسيحيّ الذي يتصوّر أنّ المسلمين خرّبوا عالمه عنصري والإسرائيلي الذي يتصوّر أنّ تقدّمه العلمي يبرّر معاناة الآخرين عنصريّ ومن يريد أن يقتل اليهود ويتصوّر انّهم داء العالم الوحيد عنصري ومن يرى أنّ الرجال أفضل من النساء عنصري. العنصرية تجتاحنا جميعا كالوباء فنشعر بالتفوّق ونشعر بالدّونية ونصغّر أنفسنا لمقدّس. ونتكبّر على ابن إفريقيا وتدفع بلادنا أجرا كبيرا للخبير الأبيض، وتحتكر ذات البلاد الخبير الهندي. ونقسّم الجنّة إلى طبقات ونضع أنفسنا في أعلاها ونتمنّى لغيرنا أن يُحرقوا في جهنّم.

ليس غريبا أنّ الأطفال بكافّة أجناسهم وألوانهم يولدون إلى هذا العالم بصرخة!

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

علي سام

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..