مراجعات

” الشحاذ ” أو حين يشحذ نجيب محفوظ السعادة فلا يجدها

الكاتب: ياسر غريب

عنوان الرواية: الشحاذ

تأليف: نجيب محفوظ

عدد الصفحات: 173

في اللّحظة التي نسأل فيها “لماذا؟” يتداعى العالم، وتفقد الحياة كلّ معنى. نصير بلا حماية في مواجهة الموت والفناء. إنّه الخوف القديم الجديد الذي كان التّربة التي نبت فيها الدّين والفلسفة والفن. لأنّنا فانون نخاف، ولأنّنا نخاف نغرق في اللّذة حسية أو وجدانيّة. نتفلسف ونكتب الشّعر ونتأمّل تاريخ الملحمة الإنسانيّة لعلّ ذلك يبعث في أرواحنا العزاء، لئلّا تتمكّن منها اللّاجدوى ولا يدركها العدم.

عمر محامٍ شهير، يعمل بلا كلل أو ملل. لم يدرك طوال عمله في المحاماة معنى للخسارة، لكنّه خسر في اللّحظة التي نزل على وعيه السّؤال المثير للحيرة والكآبة: “لماذا؟”.

ألسنا نعيش الحياة ونحن نعرف أن الله سيأخذها؟ ــ من الرّواية

نعم نعرف، لكن لماذا؟ هذا هو السّؤال الذي لا يملك أحدٌ كائنًا من كان أن يجيب عليه. يتوه عمر في دروب السّؤال وفي متاهات الجواب. يجرّب الإجازة، يهجر أسرته ويجرّب اللّذة في أحضان “وردة”. وسرعان ما تفتُر ويعود إليه مرضه، فيعود للشّعر. يحاول محاكاة المطلق فيه  ويفشل، كسيزيف وصخرته.

الجهل وطن و الوعي منفى. ــ إميل سيوران

ملعون هو السؤال، وملعون هو الشّكّ الذي يعصف بالرّؤوس فيقتلعها من الأجساد. لو لم نمتلك وعيا متطوّرا لدرجة التّساؤل عن معنى حياة يحدّها الموت والفناء لكان وجودنا أشبه بالحلم السّعيد، سرعان ما يمضي دون معاناة ودون أزمات. يخرج عثمان الصّديق القديم من سجنه الماضي الذي لا يزال ثابتا متمسّكا بموقفه كشيوعي مخضرم. حين كان للكفاح معنى كنّا نهب الرّوح والجسد للقضيّة ونظنّ أنّ تلك هي الحياة المثل: أن نفنى في الكلّ ونعمل لصالح الجميع و نجهّز للثورة. هذا هو الحلّ الذي بشّرت به كلّ الأديان الكبرى والفلسفات الشّاملة. منذ عهد جلجامش كان ذلك هو الحل، لنصنع الجنة للبشر فوق الأرض.

” لو لم تسارعوا الى الجحور، لما فقدتم الميدان.” ـــ من الرواية 

نهرب لمكان قصي، لا يعلمه أحد لأنّه لم تعد لنا القدرة على مواجهة الآخر. نجلس في انتظار الموت، كمن ينتظر صديقا قديما لا نعرف متى يأتي. نهجر الدّنيا إن كان الجنون ليس في مستطاعنا، لكن الحياة تطاردنا حتى تفتك بنا. ونموت ونحن نجهل ما كنهها. وبدون أن نعرف “لماذا؟” للوهله الأولى، ليس ثمّة أيّ مطابقة بين محفوظ وعمر، لكنّي أفترض أن محفوظ كتب مقابله، الضدّ، محفوظ المحامي الذي كان في أفق الممكن لو كان قد استسلم لرغبة والده ودخل كليّة الحقوق بدل الآداب ودراسة الفلسفة.

“-هل فكرت يوما في معني الحياة؟
     -لا معني لها إلا الحب.”  ــ من الرواية

هكذا كانت ” الشحاذ ” فكرة في قلب محفوظ. هكذا تخيّل محفوظ نفسه وهو “يشحذ” السّعادة فلا يجدها.. أو هكذا أعتقد.

رابط تحميل الرواية

اقرأ أيضا: ثلاثية القاهرة .. هكذا أرّخ محفوظ لتطوّر وعي المصريين

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

ياسر غريب

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..