ترجمة تكنولوجيا

ماذا سيحدث لو جاءتك الدورة الشهرية في الفضاء ؟

«هل ستقومين بوضع مساحيق تجميليّة؟» — سأل المراسل الصحفيّ رائدة الفضاء الأمريكيّة “سالي رايد Sally Ride” قبل أن تقوم برحلتها إلى الفضاء سنة 1983. سألها آخرون: «هل ستنخرطين في البكاء لو لم تسر الأمور علام يُرام؟» «هل سيتضرر جهازكِ التناسليّ بشكل دائم؟» «ألا تريدين أن يكون لديكِ أطفال؟» 

كانت الولايات المتحدة تصبّ وابلا من الأسئلة على رائدة الفضاء الأولى قبل أيّام من انطلاق رحلتها إلى الفضاء، العديد من هذه الأسئلة كانت سخيفة بدرجة كبيرة. أجابت “سالي”: «من السّيء أن يتمّ تضخيم الأمور إلى هذا الحدّ، من السّيء أن مجتمعنا لا يتقبّل هذا».

لكنّ واحدا من هذه الأسئلة مازال يشغل الأذهان: «كيف ستتعاملين مع الدورة الشهرية في الفضاء ؟» على الرّغم من أنّ وكالة ناسا تعاملت مع هذا الأمر بشكل أفضل منذ رحلة “سالي” -سألها المهندسون إن كانت 100 فوطة صحيّة ستكون كافية لرحلة تستمر أسبوعـًا في الفضاء، أجابتهم fجديّة: «لا، هذا لن يكون رقمـًا صحيحـًا».

وفقـًا لبحث نشره في مجلة “مايكروغرافيتي npj Microgravity” كلّ من الطّبيب النسائي للفضاء “فارشا جاين Varsha Jain” وعالمة الأدوية الطبية “فيرجينيا وترينغ Virginia Wotring” (لنفترض أن هناك مهنة تسمّى بالطبيب النسائي للفضاء Space Gynecologist): يجب أن نأخذ في الاعتبار العديد من الأمور، إلّا أنّ الدّورة الشهريّة لا تختلف أبدًا على بعد 250 ميلا من الأرض. تحتاج رائدات الفضاء لمعرفة معلومات حول الخيارات المتاحة لهن، مثل النساء على الأرض. 

تعاملت وكالة ناسا قبل خمسين سنة مع قضية الدورة الشهرية في الفضاء بعدم اكتراث. حذّر “جوني بيتسون Johnnie Betson Jr.” و”روبرت سيكريست Robert Secrest” سنة 1964 في بحث لهما من وضع «كائن إنسانيّ مُتقلّب المزاج السيكولوجي» — أي المرأة في فترة حيضها، داخل «ماكينة مليئة بالتفاصيل المعقّدة.» (هاها!)

حذّر آخرون من أنّ انعدام الجاذبيّة قد يسبّب رجوع دم الحيض بطريقة عكسيّة، فيتدفّق الدم عائدًا إلى قناتي فالوب ومن ثمّ إلى البطن. لم يقدّم الأطباء أيّ دليل يثبت صحة هذه الإدعاءات، إلا أنّهم سعوا لإنهاء “برنامج المرأة في الفضاء” في الستّينات. لم تتقدم أية امرأة للقيام برحلة إلى الفضاء لعقدين كاملين حتّى قامت “سالي” برحلتها في الثّمانينيات. 

قالت “ريا سيدون Rhea Seddon” العضوة في فريق “سالي” الفضائيّ: «لقد وجّهوا لنا الأسئلة، عم سنفعله حيال هذا الأمر. لماذا نعتبرها مشكلة وهي ليست كذلك؟ إذا أصيبت أيّة امرأة بأذى بسبب ذلك في الفضاء، سيكون ممكنا أن نعيدها إلى الأرض.»

تتابع ريا: «أنا لستُ متأكدة تمامـًا من كانت أوّل امرأة جاءتها الدورة الشهرية في الفضاء ، لكنهنّ عندما عدن إلى الأرض قلن أنّ الحيض في الفضاء مثل الحيض على الأرض، لا تقلقوا حيال ذلك.»

وفقـًا لدراسة “جاين” و “وترينغ”، فإنّ معظم رائدات الفضاء يتناولن أقراص منع الحمل قبل رحلة الفضاء وأثناءها، إلّا أنّ معظم الإرشادات الفضائيّة تنصّ على تنناول أقراص منع الحمل مدة 21 يومـًا وأقراص مُهدّئة أثناء فترة الطّمث. يمكن تناول هذه الأقراص باستمرار من أجل التخفيف من أعراض الحيض.

كانت هذه الإرشادات في ما يخص الرحلات الفضائيّة قصيرة الأمد، أمّا الرّحلات طويلة الأمد، مثل رحلة كوكب المريخ التي تستمر ثلاث سنوات، فستتطلّب أن تجلب رائدات الفضاء معهنّ أكثر من 1100 قرص مانع للحمل! ستكون هذه حمولة كبيرة حيث أنّ كل غرام يتمّ احتسابه. بالإضافة إلى أنّ المختصّين يوضّحون أنّ هذه الأقراص لم تُختبر صلاحيّتها لثلاثة سنوات على متن المكوك الفضائي، فمن الممكن أن تتعرّض هذه الأدوية للعطب بعد مرور وقت طويل.

كان استخدام أدوية منع حمل ذات فترة صلاحية طويلة الخيار الأفضل، مثل “اللولب الرحمي IUD“، وحقن هرمون البروجيستين أسفل الجلد. يمتدّ مفعول حقن البروجيستين لثلاثة أشهر، ما يجعلها بديلا أفضل عن الأقراص، لكن هذه الحقن قد تسبّب انحدارا في كثافة العظام الذي يعتبر واحدًا من أكثر المشكلات التي يعاني منها روّاد الفضاء الذين يعيشون في انعدام الجاذبية.

يختتم “جاين” و”وترينغ” بأنّ اللّولب الرحمي والهرمونات المحقونة تحت الجلد تصلح لأكثر من خمس سنوات أو ثلاث سنوات، وهي تبدو خيارات ممتازة، إلا أنّها بحاجة إلى مزيد من الاختبارات لتفادي احتمالات إرسال رائدة فضاء لثلاث سنوات في رحلة مكوكية وقد تسبّب هذه الحقن مشكلات مع بذلتها الفضائية أو يسبّب انعدام الجاذبية ضررًا للولب أو ألمـًا. 

يعود اختيار وسيلة منع الحمل للمرأة. يؤكد “جاين” و “وترينغ” التالي: «يجب احترام اختيارها، إلّا أنّ علينا توفير البدائل لكي تقرر اختيار الوسيلة المناسبة لها وفقـًا لبيئة العمل التي تعمل بها». 

  • الصورة المرافقة: رائدة الفضاء الأمريكيّة سالي رايد، 1983م.
  • المقال مترجم عن ‹Washingtonpost›: هنـــا

 

 

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نور الدّين محمّد

دارسٌ للغة الروسيّة و آدابها، و مترجمٌ عنها.

تعليق

نشر..