ترجمة مجتمع

لماذا نحتاج الكوميديا؟ -2- الكوميديا علاج للإهانة واحتقار الذات

peppa-pig-كوميديا

الكوميديا كعلاج للإهانة

الحياة تطفح بالأشياء التي تهدّد كرامتنا. لم نكن يومًا بمنأى عن أن نكون محطّ سخرية. في سلسلة الحلقات التليفزيونية للأطفال  “الخنزير بيبا- Peppa Pig “، يقوم الأب “الأب خنزير- Daddy Pig” بتصرّفات تبدو سخيفة، مهينة أو محرجة.

peppa-pig-كوميديا

“الأب خنزير” من مسلسل “بيبا الخنزير- Peppa Big” 2004

خلال السلسلة، تجده يصدر أصواتًا مزعجة وينخر. في يوم قائظ ينام في الشّمس حتى يتحوّل لونه للأحمر، تفرغ الأم وأطفالها مياه المسبح عليه. يقوم بالأعمال المنزليّة بنفسه، لكن لا يفلح في إتمام شيء، كلّ ما يحاول إصلاحه يصبح متزعزعًا أكثر. يضِلّ طريقه بالسّيارة في أغلب الأوقات، يزداد سِمنة، إلخ. قد يكون من السّهولة بمكان أن نصنع صورة سلبيّة عن شخصيّته، وهذا عين ما نفعله مع أنفسنا والأخرين: كثيرًا ما نحتلّ مقعد الادّعاء.

شاهد حلقة الخنزير بيبا: السباحة

قدّمت الشخصية في المسلسل ككائن مليء بالعيوب ومحبوب معًا: زوجته وأطفاله منجذبون إليه بشدّة، ويرونه أخرق بشكل محبّب. لا ينتقلون إلى المقعد الفاعل للمحلّفين ويفصِحون عن أخطائه. يبدو بوضوح أنّهم على دراية بها، ويقومون بمضايقته أحيانًا بسبب عجزه وميله لأخذ الأمور بسهولة أكثر من اللّازم. في الواقع هم يرونه أبلهًا حقًا. فقط، هم يحبّونه كما هو. في أعينهم، يبدو كأحمق محبوب. هنا، تفيدنا الكوميديا بتحويلها الأشخاص (ونحن منهم) من “مجرد حمقى” إلى “حمقى محبوبين”.

لو حدث وكنّا نسير في الطّريق ورأينا شخصًا ما يُدعى “باسِل فولتي” يضرب سيّارته بفرع شجرة لحكمنا عليه بأنّه شخص بغيض، عصبيّ يُفرغ غضبه بطريقة مجنونة ومدمّرة. سنحكم عليه بأنّه “أحمق بغيض”.

باسل-فولتي-Fawlty-Towers-كوميديا

“باسل فولتي” يحطم سيارته. من مسلسل “”Fawlty Towers

شاهد “باسل يحطّم سيّارته”

لكن لحسن حظ هذا الـ”باسل فولتي” فإنه ليس حقيقيّا، إنّه ممثّل في فيلم كوميدي لـ”جون كليز”. ولهذا فهو ليس مجرّد أحمق، هو أحمق محبوب. نقائصه لا تقدَّم مجرّدة، لكن مع بعض الصّفات المحبوبة. هنا يعلمنا العرض التليفزيوني أن نُعجَب بشخصيات قد نبغضها في العالم الحقيقي. حين نشاهد المسلسل، نقف في جانب “باسل”، لا نضِنّ بشفقتنا. يحاول المسلسل منحنا التجربة غير الاعتيادية: أن تعتقد أن شخصًا ما مجنون، وفي الوقت ذاته، لطيف للغاية. نحن نقبل حقيقة أن “كليز” خبيث، أناني، دنيء، فظّ وغير لبق، ومع هذا نحبّه. نجاح المسلسل في هذه النّقطة دليل على كفاءة فريق العمل. هنا نحن، كمشاهدين، نتدرّب على خطوة نحتاج لانجازها مع الآخرين، وأهمّ من ذلك: مع أنفسنا.

اقرأ لماذا نحتاج الكوميديا؟ -1-

المسلسلان السّابق ذكرهما يطوّران فكرة نقشها المسيح. قدّمت المسيحيّة الفكرة القائلة بأنّ الإنسان قد يكون في موضع أدنى اجتماعيًا، غير مرئي ويفتقد لكلّ المهارات، ومع هذا لا يزال يستحقّ الحب والعناية.

كوميديا-المسيح-يعظ-لوحة-رامبرنت

لوحة “المسيح يعظ” لرامبرانت 1649

كان المسيح يضع مثالًا في حبّ الأشخاص الذين يبدون غير جذّابين لأنّهم وُضِعوا في مواقف من المحتمل أن يقع فيها أيّ شخص ويبدو فيه بنفس الدّرجة من الحماقة. السّؤال هنا هو: هل يُفترض بنا أن نواجه الحماقة الناتجة عن الموقف بنوع من السّخرية والازدراء، أم نواجهها بنوع من الحبّ والشّفقة؟ الصّواب أن نسلك السّبيل الأخير.

3- الكوميديا كعلاج لاحتقار الذات

يصعب علينا أن نتقبّل أنفسنا. نحن ندرك تمامًا الفارق بين ماهية أفكارنا ومعتقداتنا وتصوراتنا لما يجب أن نكونه من جهة، وواقعنا وما نحن عليه من جهة أخرى. لهذا نحن في الغالب فريسة لشعور الوحدة في مواجهة نقائصنا، إخفاقاتنا وتصرّفاتنا الدنيئة.

تتمّ “كوميديا الاعتراف” عن طريق شخص يقف على منصّة ويعترف للحاضرين بعيوبه ونقائصه التي يشعر بالحرج والعار تجاهها. هنا يقطع المتحدّث شعورنا بالوحدة حين يعترف أنّه لا يعرف هل يصافح أيدي معارفه أم يحتضنهم. نضحك بنوع من الرّاحة حين يُخلخل قلقنا. يكسر المتحدّث -هنا- شعورنا الدّفين بالغرابة. وبجعل الأمور تبدو طبيعيّة أكثر، تبدو الأمور أكثر قابليّة للاحتمال.

يتحدّث “مايكل ماكنتري” لجمهوره عن إخفاقاته في حياته الأبويّة: كيف يفشل في إلباس أطفاله أحذيتهم ومعاطفهم. كيف يكسل عن وضع الأطباق المتّسخة بجانب حوض المطبخ (يسأل نفسه: هل ستتبوّل بجانب المرحاض؟). بالطّبع، هذه الأمور تافهة وهذا هو المقصود. كلّنا ننجح في فعل ما فشل فيه، أليس كذلك؟ الواقع: لا. وبوصفه واقعه كما هو، لا كما يُفترض بشخص بالغ أن يكون، يهَب “مايكل ماكنتري” مستمعيه ترياقًا لاحتقار الذات.

كوميديا-مايكل-ماكنتري

“مايكل ماكنتري” في أحد فقراته الساخرة.

شاهد الفقرة الساخرة: الأشخاص الذين بلا أطفال لا يعلمون!

-يتبع-

اقرأ لماذا نحتاج الكوميديا؟ -1-

المقال الأصلي

الكاتب: آلان دو بوتون. فيلسوف، كاتب ومقدّم برامج بريطاني.

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

محمد عبد الله زيدان

باحث ومدرّس مساعد بهندسة القاهرة. مصر

تعليق

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..