علم نفس

حبّ أم رغبة في السيطرة ؟

سيطرة-أو-حب
الكاتب: كيرلس بهجت

” إذا كنت تحب امرأة فلا تقل لها (أنا أحبّك) إنّ هذه العبارة أوّل ما يجعل المرأة تفكّر في السيطرة عليك!” الممثّل الأمريكي كلارك جيبل

من المواضيع اللتي تشغل فكر الكثير من الناس “علاقة الحب بالسيطرة”، وأنّنا في أحيان كثيرة نقرّر عدم إظهار عواطفنا ومشاعرنا بأيّ شكل حتّى لا يستغلّها الطرف الآخر ضدّنا. فنجد الأمّ تنصح ابنتها بأن لا تصرّح بحقيقة مشاعرها للشاب الفلاني، فلا يتسلّى بها. في المقهى، يقول الرجال لصديقهم أنّ زوجتك إذا ما شعرت بأنّك رومانسي ستسيطر عليك. نماذج كثيرة تدور في إطار أنّ الحبّ هو السلسلة اللتي نربط أنفسنا بها. فهل هذا حقيقي؟

تقول الدكتورة Susan Weinschenk في مدوّنتها أنّ الإنسان بطبعه يحبّ السيطرة ، وتستشهد بتجربة حصلت قديما. فقد جيء بمجموعة أطفال في سنّ الأربعة أشهر تقريبا ورُبط في أيديهم حبل. حين يقومون بشدّه يصدر صوت موسيقى. لوحظ أنّ الأطفال قد أصبحوا يشدّون الحبل من حين لحين، يسمعون الموسيقى فيشعرون بانشراح. بعد فترة، تمت إزالة الحبل مع الإبقاء على إصدار صوت الموسيقى في فترات قريبة من التي اعتاد عليها الأطفال. وكانت النتيجة أنّ الأطفال كانوا يتفاعلون بشكل أكبر فيصرخون أكثر من المعتاد. لم تكن المشكلة إذن في الموسيقى بل في رغبة الأطفال في التّحكم في الموسيقى. كان الإستنتاج كما يلي: حتّى وإن توفّر شيء ما للشخص فإنّه يريد رغم ذلك أن يكون المتحكّم فيه بالأساس.

الحقيقة هي أنّ الإنسان بطبعه يريد أن يكون مسيطرا! من منّا لا يرغب أن يكون زمام الأمور كلّها من حوله بيده؟ من منا لا يرغب في التحكم في مستقبله وظروفه؟ حتّى برمجة الإنسان العصبية تبدأ في إعلان حالات التّوتر حين تشعر أنّها فقدت السيطرة . يمكن أن يكون الإنسان غير جائع لكن، مجرّد تفكيره في كيفيّة توفير الطعام لليوم المقبل يسبّب له قلقا وتعبا. وسبب التوتر هنا ليس الجوع بل هو فقدان السيطرة. معنى هذا أنّ أيّ شخص يحاول فعلا أن يتصيّد من حوله لأشياء بسيذو حتّى بهدف السيطرة عليهم. فالأم لم تكن على خطأ حين نصحت ابنتها أن لا تظهر حقيقة مشاعرها لمن تحبّ. وأصحاب الرّجل على صواب حين قالوا له أنّ زوجته ستحاول السيطرة عليه إذا شعرت أنّه رومانسي. وكما قال كلارك جيبل “لو قلت لامرأة أنّي أحبّها ستبدأ في التحكّم في. لا يبقى أمامنا حلّ غير إخفاء مشاعرنا وعواطفنا فلا يتسلّى بنا أحد أو يسيطر علينا.

لو أنّني أنهيت الموضوع، هنا، سيبدو الأمر وكأنّني أزوّدكم بطريقة لحماية النفس من الاستغلال والسيطرة باسم الحب. غير أنّ هذا الحلّ أشبه بشخص يخاف أن تدهسه سيّارة في الشارع فيقرّر أن يلازم بيته. في الشارع فعلا مخاطر عديدة والكثيرون لا يركّزون في السياقة، لكن هل الحلّ أن لا تنزل للشارع؟ ثمّة احتمال أن أقع في حبّ شخص مريض ناقص مصاب بجنون السيطرة على من حوله، لكن هل الحلّ أن أكبت أو أقتل أيّ مشاعر في داخلي؟ كلّ ما في الأمر أنّي مثلما أكون حذرا حين أقطع الشارع، سأكون حريصا حين أحبّ. سأحبّ من غير خوف لكن بحذر. سأعلن عن مشاعري بصراحة ونضج لكن، في التوقيت الذكي. سأكون على معرفة كاملة وإيمان لا شكّ فيه أنّ من يستحقّ حبّي لا يمكن أبدا أن يكون يسعى فقط للتّحكّم في، لأنّه لن يكون حينها مختلفا عن طفل يبلغ من العمر أربعة أشهر، كلّ همّه أن يتحكّم في حبل!

المصادر: هنا هنا هنا هنا

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

كيرلس بهجت

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..