تاريخ

ماذا نعرف عن النكبة؟ المعارك العربية-الصهيونية 1947-1948 (6)

-النكبة
الكاتب: خالد جمعه

معركة القسطل:

ربما تكون معركة القسطل، وبغض النظر عن نتائجها، من أهم المعارك التي جرت على أرض فلسطين في عام 1948، لذا، سنتحدث عنها بقليل من التّفصيل. القسطل قرية على بعد 10كم إلى الغرب من مدينة القدس، تمتّعت بموقع استراتيجي لتحكمها بطريق القدس/ يافا، وترتفع عن الطريق حوالي 200م. وكانت تعدّ البوابة الغربية للقدس. استعد الصهاينة للقيام بعمليات واسعة لاحتلال أكبر مساحة من الأرض التي تنسحب منها القوات البريطانية، ومن ضمن خططهم كانت خطة “خشون” التي تهدف إلى فتح طريق القدس ـ تل أبيب وفك الحصار عن يهود القدس. وقد جهّزوا لهذه العملية 5000 رجل مزوّدين بأحدث الأسلحة، وشمل هذا العدد قوات من الهاغانا والبالماخ والأرغون وشتيرن وشملت الأسلحة دبابات خفيفة ومصفحات وبنادق آلية من تشيكوسلوفاكيا وسلطات الانتداب البريطاني. تقرَّر أن تبدأ الخطة في 6/4/1948.

توجّه عبد القادر الحسيني قائد جيش الجهاد المقدّس إلى دمشق أواخر آذار 1948 للاتصال باللّجنة العسكريّة التّابعة لجامعة الدول العربية للحصول على أسلحة ومعدات للتصدي للهجوم الذي كان على علم به، وتولّى القيادة مكانه كامل عريقات. وصلت إلى قيادة جيش الجهاد المقدس أنباء بقرار الصّهاينة تقديم موعد الهجوم إلى 2/4 بدلا من 6/4. فعقد كامل عريقات مجموعة من الاجتماعات ووضعت فيها خطة لمجابهة الهجوم الصهيوني وذلك بمشاركة الشيخ حسن سلامة. حشدت قيادة جيش الجهاد قواتها على مراكز باب الواد وبيت محسير والقسطل وساريس، ولم تغفل عن طريق بيت لحم الذي قد يفكّر الصهاينة فيه للوصول إلى القدس. وحشد الشيخ حسن سلامة القوات في دير محيسن قضاء الرملة. بدأ الصهاينة تنفيذ خطتهم ظهر يوم 2/4/1948، فاتجه قسم من قواتهم إلى دير المحيسن والقسم الآخر إلى باب الواد لاقتحامه والاستيلاء على القسطل، فتمكن الشيخ سلامة مع قواته بعد معركة عنيفة من صد الهجوم على دير المحيسن، وتأهب للسير إلى باب الواد لنجدة المقاتلين هناك، لكن نجدات صهيونية وصلت إلى دير المحيسن فمنعت ذهابه. اضطر الشيخ حسن سلامة لخوض معركة أخرى استمرّت حتى منتصف الليل وانتهت بانتصار المجاهدين مرة أخرى. أما القسم الثاني من القوات الصهيونية، فقد اشتبك معه المجاهدون في معركة عنيفة دامت ساعتين ونصف، تمكن بعدها الصهاينة من اقتحام باب الواد نتيجة تفوّقهم السّاحق في العدد والعدة، وتقدموا في المساء إلى مشارف قرية القسطل، وهاجموها عند منتصف الليل فدافع عنها أبناؤها حتى نفذت ذخيرتهم فتمكن الصهاينة من احتلالها وبدأوا في تحصينها على الفور.

الحسيني-القسطل-النكبة

مقاتلي الحسيني في القسطل ابريل/نيسان 1948

كانت القسطل أول قرية عربية يحتلها الصهاينة عام 1948، سقطت بعدها دير المحيسن وخلدة، فاهتز الشعب الفلسطيني للحادثة، وانطلق المئات من الشبان يطلبون من قيادات جيش الجهاد المقدس إرسالهم إلى جبهة القسطل، فقامت قيادة جيش الجهاد بالإعداد لهجوم مضاد سريع فحشدت القوات من مختلف القطاعات في القدس، وتقدّمت هذه القوات بقيادة كامل عريقات عبر بيت صفافا إلى عين كارم فانضم شبابها بقيادة خليل منون إلى القوات، وتابع الجميع التقدم باتجاه القسطل ليلا، ووصلوا إلى بعد 2كم عنها صباح 4/4، تقدم المجاهدون فاحتلّوا كاجر الياشار ثم تقدّموا تحت وابل النيران الصهيونية، لكن ضغط الهجوم من قبل المجاهدين وتواصله أجبر الصهاينة على إخلاء عدد من المراكز الأمامية وتراجعوا نحو القرية. حاصر المجاهدون القرية واستمرّ تبادل النّار طوال الليل، فيما استمرّت النجدات في الوصول طيلة يوم 5/4، حيث شن المجاهدون هجوماً عاماً على القرية وتمكن المجاهدون بعد مقاومة عنيدة من حشر الصهاينة في مركز القرية، وأصبح المجاهدون على بعد 200م من مركز القرية. واصل المجاهدون حصارهم للقرية بمعنويات مرتفعة، وفي صباح 6/4 أصيب كامل عريقات بشظية فاضطربت صفوف المجاهدين، خصوصاً وأن ذخيرتهم بدأت بالنفاذ. قام إبراهيم أبو دية بنقل كامل عريقات على ظهره إلى قرية صوبا ثم عاد ليجمع شمل المجاهدين منهياً حالة الفوضى وقادهم على هجوم جديد يعاونه عبد الحليم الجيلاني. مال الموقف لصالح الصهاينة بعد وصول نجدات إليهم، لكن إبراهيم أبو دية استطاع مع عدد من الرجال اختراق القرية ونسف بعض البيوت والعودة بسلام.

صباح 7/4 وصل عبد القادر الحسيني من دمشق، وتوجّه إلى القسطل ظهر نفس اليوم، وأمسك بزمام الموقف وأعاد تنظيم المجاهدين. وزّع الحسيني القوات على أربعة محاور بقيادته ونيابة كل من حافظ بركات وهارون بن جازي وعبد الله العمري وعلي الموسوس، كل شخص على جهة وبقيادته العامة. ورابطت مجموعات مقابلة للإسناد بقيادة صبحي أبو جبارة وعبد الفتاح المزرعاوي. بدأ الهجوم على القسطل منتصف ليلة 7/4، وتمكّنت قوات القلب والميسرة من اكتساح مواقع العدو واستحكاماته الأمامية، واتصلت قوات الفريقين وكادت تدخل القرية، ولكن تقدم القوات من الناحية الشرفية كان صعبا، إذ نفذت ذخيرة كثير من المجاهدين، وأصيب إبراهيم أبو دية و16 من رجاله، مما جعل المجاهدين يتراجعون أمام كثافة نيران العدو وقلة ذخيرتهم. اندفع الحسيني لينقذ الموقف واقتحم القرية تحت وابل من نيران الصهاينة، واستمر القتال طوال الليل، وفي صباح 8/4 أعلنت القيادة أنّ عبد القادر الحسيني ورفاقه مطوّقون في القرية، فأسرعت النجدات من جميع المدن والقرى المجاورة إلى القسطل وبينهم مجموعة من حرّاس الحرم وشباب القدس وجيش الإنقاذ وأخرى من الخليل وغيرها. بدأ الاقتحام مجددا للقرية بقيادة رشيد عريقات، صباح 8/4، وبعد ثلاث ساعات تمكن من دخول القرية وتحريرها وفرّ الصهاينة باتجاه القدس وغادروا القسطل، وبعد قليل وجد المجاهدون عبد القادر الحسيني شهيدا في أحد بيوت القسطل، مما جعل الارتباك يسود صفوف المجاهدين وفقد القادة سيطرتهم على الأفراد وأخذت النجدات تغادر القسطل وبقي فقط رشيد عريقات وعبد الحليم الجيلاني وقوّاتهما. ولم يستجب أحد لطلبهما التعزيزات لانشغال الناس باستشهاد الحسيني. غادر عريقات والجيلاني القرية ليلة 9/4، فعاد الصهاينة واحتلوها في 9/4/1948. رغم كون معركة القسطل مثالا على البطولة إلا أنّها مثال على انتصار ضاع بسبب ضعف التسليح والافتقار للتنظيم وقلة الذخيرة وسوء الخدمات الطبية الميدانية ووسائل الاتصال.

معركة القطمون:

يقع حي القطمون جنوب غرب القدس، على رابية تشرف على معظم الأحياء اليهودية فيها، والحي مقرّ الكرسيّ البطريركيّ الصيفيّ للرّوم الارثوذوكس، ولذا فقد كان للحي قيمة عسكرية كبرى جعلت الصهاينة يحاولون احتلاله منذ أواخر نيسان 1948. كان في الحي قلة من المجاهدين بقيادة إبراهيم أبو دية وهم غير مزودين بذخيرة كافية. فقام الصهاينة بالاستيلاء على معظم المباني والمرتفعات المشرفة على الحي. وبعد عدة مناوشات قطع الصهاينة الكهرباء عن الحي والهواتف كذلك وهاجموا الحيّ يوم 10/3/1948 ونسفوا 3 منازل عربية لكن المجاهدين دافعوا ببسالة وأجبروا المهاجمين على التراجع، وتكرّر ذلك أكثر من مرة خلال شهري آذار ونيسان 1948. مع اقتراب موعد انسحاب القوات البريطانية، وضعت القوات الصهيونية خطة رمز لها باسم “يبوس” وهو اسم القدس الكنعاني، وكان هدف الخطة الأساسي فكّ الحصار عن يهود القدس والاستيلاء على مجموعة مناطق في المرحلة الأولى من الخطة من ضمنها القطمون. بدأ الهجوم يوم 27/4 على بيت اكسا وشعفاط، وفي 28/4 هاجم الصهاينة حي الشيخ جراح، واحتلت دير مار سمعان في ليلة 29-30/4 بعد معركة قصيرة مع عراقيين من جيش الجهاد المقدس، إلا أن العراقيين تمركزوا في البنايات المجاورة وأخذوا يطلقون النار ومنعوا الصهاينة من توسيع رقعة احتلالهم، ثم عاود العرب الهجوم على الدير في 30/4 بعد الظهر، وذلك بعد فشل محاولة في الصباح، وفشل هذا الهجوم أيضا لكن الصهاينة خسروا الكثير من الأرواح فيه. في مساء 30/4 وصلت قوات لواء عتصيوني إلى الدير، وفي صباح 1/5 تابع اللواء تقدمه من بيت إلى بيت حتى سيطر على حي القطمون بكامله. وخلال 24 ساعة لم يبق في الحي أي ساكن عربي.

معركة كفار عتصيون:

كفار عتصيون مستوطنة تقع على طريق القدس- الخليل، وقد أنشئت بالأساس كي تؤدي دورا عسكريا منذ صدور قرار التّقسيم. قام سكّان المستوطنة باحتلال بناية تابعة للكنيسة الأرثوذوكسية وأخذوا يطلقون النار على السيارات العربية، ومن ضمن هذه السيارات كانت سيّارة القنصل العراقي التي أصابوها في 13/1/1948. هاجم مناضلو المناطق المجاورة المستوطنة فاستشهد منهم 14 وجرح 24 لقلة تنظيمهم. هاجم المناضلون أيضا في 13/2/1948 قافلة بين كفار عتصيون والقدس فقتلوا اثنين وجرحوا اثنين وأحرقوا سيارتين وأنقذها الجيش البريطاني. تعرّض صهاينة كفار عتصيون في 6/5 لقافلة عربية متجهة إلى الخليل فحضرت نجدة من الجيش الأردني وأمطرت كفار عتصيون بالنيران فاضطر الصهاينة إلى التراجع، لكنهم تعرضوا في اليوم التالي لقافلة قادمة من الخليل فتصدى لها الجيش الأردني، ولكن الصهاينة استمروا في عدوانهم. في 13/5/1948 هاجم الجيش الأردني ومجموعة من المناضلين بالهجوم على كفار عتصيون والمستوطنات المجاورة، فأرسل الصهاينة نجدات للمستوطنة وأنزلوا جنودا بالمظلات، لكن المهاجمين فتحوا ثغرات في الأسلاك الشائكة وعبروا إلى المستوطنة. سقطت المستعمرات الأربع وقتل 200 صهيوني وأخذ 287 أسيرا، وخسر الجيش الأردني 14 شهيدا واستشهد عدد كبير من الأهالي في حقول الألغام المحيطة بالمستوطنات قبل اقتحامها.

الهاجانا-النكبة

أفراد من الهاجانا

معركة كفر كنا، معركة عين ماهل:

في 13/1/1948، حدثت معركة بين رجال عشيرة صبيح وقوة من الهاغانا، وقد هبّ لنجدة آل صبيح مجموعة من المناضلين كبدوا القوة الصهيونية خسائر كبيرة. علم الصهاينة أن المنجدين يتمركزون في قرية كفر كنا شمال شرق الناصرة، فاعتزموا احتلالها. قاموا في 15/1/1948 بالتّقدم نحو القرية، وقسموا الهجوم إلى قسمين، قسم يتجه مباشرة على القرية وقسم يلتف حولها، فنجح جنود القسم الأول بالتّسلل حتى مدخل معسكر المناضلين لكنّهم لم يتقدّموا أكثر لأن المناضلين انتبهوا لهم واشتبكوا معهم في قتال عنيف وأجبروهم على التراجع سريعا، فوصل الخبر إلى القسم الثاني الذي توقّف قبل أن يتصدى له أحد. على أثر فشل الهجوم على كفر كنا قررت القيادة الصهيونية القضاء على المعسكر العربي قي قرية عين ماهل القريبة من كفر كنا، فهاجمت القرية فرقة من الهاغانا ومهّدت لهجومها بقصف مدفعي، وما أن أغار جنود العدو على القرية حتى سقطوا الواحد تل الآخر بنيران المناضلين. وارتفعت نسبة الخسائر لدى المهاجمين بدأوا بالتراجع واخفق الهجوم على عين ماهل.

معركة كوكب الهوا:

كان الصهاينة يمتلكون حاميتين قويتين في كل من مشروع كهرباء روتنبرغ ومستعمرة جيشر، وبعد الإنذار الذي وجّهته الحكومة الأردنية إلى هيئة إدارة المشروع، انسحب الصهاينة إلى مستعمرة جيشر وعزّزوا دفاعاتها، وكان من ضمن دفاعات المستعمرة حصنها المنيع الذي أقامه البريطانيون خلال الحرب العالمية الثانية. بعد دراسة الواقع الجغرافي للمنطقة، استنتج الصهاينة أن الدّفاع عن المستعمرة يستوجب احتلال قرية كوكب الهوا وذلك لمنع المناضلين من معاونة الجيش العراقي في هجومه المرتقب على المستعمرة. نسف الصهاينة جسر المجامع على نهر الأردن لإعاقة تقدم القوات العراقية، وفي يوم 15/5/1948 طوقت القوات الصهيونية كوكب الهوا بقوات كبيرة، فتصدى لها رجال القرية وأوقعوا بها خسائر كبيرة إلا أنهم اضطروا للانسحاب لنفاذ ذخيرتهم، فدخل الصهاينة القرية فور إخلائها، وفي تلك الأثناء تمكّنت سريّة عراقية من عبور النهر وإقامة جسر تحت جنح الظلام، وتوالى عبور القوات العراقية بقصد مهاجمة جيشر، وتيقن القائد العراقي أنه لا يمكن مهاجمة المستوطنة دون استعادة كوكب الهوا، فكلّف سرية بمهاجمتها، ونجحت السرية في تحرير القرية بعد معركة عنيفة تكبد فيها الطرفان خسائر كبيرة. هاجمت القوات العراقية المستعمرة عدة مرّات دون أن تتمكّن من استعادتها، وقد استمرّ وصول النجدات إلى جيشر من قبل الصهاينة، وهاجموا العراقيين بعنف، فسقط منهم 23 شهيدا بينهم الرئيس الأوّل طالب العزاوي، وانسحب العراقيون بعدها من القرية في 18/5/1948 وبعدها سيطر الصهاينة على القرية نهائيا.

-يتبع-

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

خالد جمعه

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..