مجتمع

النساء في رمضان: التبرّج مُفسِده والمطبخ عماده

الكاتب: نهى سعداوي

حين كتبت “النساء ورمضان” في محرك البحث جوجل، كانت النتائج من قبيل “أصناف النساء في رمضان“، “من أخطاء النساء في رمضان“، “كيف تؤدي المرأة واجباتها في رمضان؟“، “مصافحة النساء في رمضان“… فخطر لي أن أكتب انطباعاتي عن هذه العلاقة “النساء ورمضان”. وهي نتاج تجاربي ومشاهداتي، بعيدا عن العلم والتخصص.

أوّلا، رمضانا مباركا لكلّ النساء صائمات وغير صائمات، مسلمات وغير مسلمات، ففي كثير من البلاد، يصبح رمضان طابعا يميّز شهرا كاملا من الحياة بكلّ ما فيه: بدءا بتغيير أوقات العمل، مرورا بشبه السكون في نهاره خاصّة إذا أزف وقت الإفطار، وصولا للحركة في الأسواق والحياة الليليّة الأكثر نشاطا. هذا مقال عن أحوال النساء في هذا الشهر المميّز دينيا واجتماعيا، غير أنّ التميّز هنا لا يُقصد به حصرا المدح والاستحسان.

“التبرّج” يفسد رمضان

هذه أوّل المشاكل التي تواجهها النساء في شهر رمضان، وخاصّة العاملات منهنّ أو الطالبات. أو لنقل المتحرّكات في الشوارع، ولو أنّ الأخذ والرد قد يطول القابعات في البيوت. فما أن يهلّ الشهر حتّى تبدأ الفتاوى بالتوالد وكذلك طلبات الإفتاء. وهذا أمر يبرع فيه الجميع بلا استثناء تقريبا. الشيوخ يتلقّون الاتصالات الهاتفية على القنوات التلفزية والأسئلة على صفحاتهم على مواقع التواصل. هذا طقس يكاد يكون إلزاميا، يتجدّد كلّ عام، بل وفيه يتنافس المتنافسون. ومثله تتجدّد الأسئلة: “هل أحمر الشفاه مفسد للصوم؟”، “هل كريمات ترطيب البشرة والوقاية من الشمس مفسدة للصوم؟”. هذا قبل أن ندخل باب اللباس، الذي يتضارب فيه الناس بالمعنى الحرفيّ للفعل، ويتشاتمون. فإذا كان الخلاف قبل رمضان وبعده دائرا حول ما تلبسه النساء مع شهادات تُوزّع في العفّة والأخلاق، لنا أن نتخيّل أيّ منعرج يأخذ الموضوع إذا ما أضفنا تفصيلة أنّ الشهر “رمضان”.

بين الحجاب بحكم العادة، الحجاب المودرن، الحجاب المتبرّج، الحجاب الشرعي، الأسدال، النقاب، السفور المحترم، السفور المتبرّج، السفور الخليع .. إلخ من التصنيفات، تُقسّم النساء في علاقة بما يرتدين، ليصبح السؤال عند الصوم: “هل لباس فلانة مناسب لآداء هذه العبادة؟” ويبدأ بعده مباشرة جدل إفساد صوم الرجال من عدمه. تجدر الإشارة هنا، مجدّدا، أنّ الإفتاء في هذا وذاك ليس حكرا على شيوخ الفضائيات ومواقع التواصل، بل إنّه موضوع تخوض فيه النساء حين نميمة، أو فتيات مرّت من أمامهنّ أخرى في الشارع، أو رجال في مقهى بعد الإفطار.. نحن في ما بيننا نُفتي ونجزم ونُحلّل ونحرّم ونصدر الأحكام، باختلاف النوايا والمقاصد.

المطبخ عماد رمضان

بعيدا عن الاستثناءات، النساء في رمضان يرتبطن بالمطبخ في علاقة ساخنة. تزداد سخونتها وتنقص حسب مكان العائلة في السلم الاجتماعي وحسب قابليّة أفرادها للتشارك أو تقاسم المهام. إذا كانت المرأة ربّة بيت فقط، فغالبا ما يكون مكوثها في المطبخ أكثر وعلاقتها به أمتن. وإذا كانت امرأة عاملة خارج البيت، فالعلاقة أقلّ متانة غالب، وأكثر توتّرا. كلتاهما مطالبتان بإعداد وجبة يوميّة يُفترض أن تكون مختلفة عمّا سبق وما سيلحق. كلتاهما تتلقّيان طلبات وتُطالبان بتلبية شهوات. الطبق الرئيسي، السلطة، المرافقات، الشوربات، المخللات، المقليات والمشويات والحلويات والألبان والأجبان.. دوّامات تتوه فيها النساء في سباق مع الزمن، ليصبح مشهد امرأة لا تزال واقفة في المطبخ فاجأها المؤذّن وهي بعدُ لم تنهِ طبقا ما بينما باقي العائلة يفطرون عاديّا ومعتادا. وقد يرافقه صراخ زوج غاضبا بسبب التأخير أو احتجاج ابنة تدعم أمّها وتشتكي من كثرة التعب في إعداد طعام الإفطار وقلّة التقدير.

في عالم المطابخ، كلّ حسب إمكاناته. وفي حالات كثيرة، يُكسر هذا الشرط، فرمضان “شهر الشهوات”. وبناء عليه، يتعسّف الكثير منّا على الجيوب بل ويتنافس المنافسون، والمتنافسات. يكثر الحديث عن الموائد ولا تنتهي المقارنات بين فلانة وعلّانة. وتصبح الاستضافات والدعوات أبوابا للتقييم والمدح والذم. “فلان محظوظ بفلانة، “صنّافة” بارعة.” “فلانة شحيحة في التوابل وأكلها بلا طعم.” “كيف تعدّ طبقين فقط للإفطار وعندها ضيوف؟”. “كيف تقدّم صنفا واحدا كتحلية؟ ثمّ إنّ شايها سيّء.” علما وأنّ هذه الملاحظات تأتي من الجميع، لا ترحم فيها النساء بعضهنّ حتّى.

بعد يوم صوم طويل وحارّ، قد يكون في مكان عمل خانق وظروف تنقّل شنيعة وساعات وقوفا في المطبخ، بين طبخ ونفخ وغسيل، يتواصل من قبل الإفطار حتى السحور، لكم أن تتخيّلوا مشهد “التهالك في الفراش” أو “الجثّة في الفراش”.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نهى سعداوي

تونسيّة، متحصلة على الماجستير في اللسانيات الانجليزية. مهتمة بالترجمة ودعم المحتوى العربي. هاوية كتابة. مناصرة للقضية الفلسطينية، لقضايا العرب والمسحوقين أينما كانوا.

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..