مجتمع

كيف جعلني تسلّق الجبل مع طفلتي أدرك محدودية رؤيتي

الجبل-مع-طفلة
الكاتب: علي سام

المدينة التي أعيش فيها جبلية كأكثر مناطق النرويج. وفي العادة، تسمع الناس وهم يذكرون اسم المكان مع ارتفاعه عن سطح البحر. وهو شيء غريب بالنسبة لي أنا الإنسان الذي ولد ونشأ في مكان اسمه السّهل الرسوبي. بعد سنوات من العيش في المناطق الجبلية، لم أعد أرغب بالعيش في السّهول. فتضاريس الجبال تسمح لك أن ترى مكانا ممطرا، وأنت تقف في شارع مشمس حيث يمرّ شخص من تحتك. وتسير سيارة فوقك، بل حتى الطيور تطير تحت مستوى قدميك إن وصلت إلى القمّة.

بالطبع فإن لكلّ شيء حسناته وسيئاته. والمناطق الجبلية أكثر صعوبة بالمشي. أحيانا أخشى من السقوط من شدة الانحدار وأحيانا أخرى، أتوقّف لألتقط أنفاسي وأنا اصعد. هذه الصعوبة في المشي جعلتني أقتنع تماما أنّ طفلة عمرها ثلاثة سنوات ونصف لن تستطيع أبدا أن تمشي لساعة متواصلة في هذه الجبال. وأصبحت آخذ عربة الأطفال كلمّا خرجت مع طفلتي، وأتفهّم تماما حين تطلب منّي أن أحملها بعد ربع ساعة من المشي.

في الأمس، نسيت أن آخذ عربة الأطفال. وخرجت مع طفلتي وأنا متصوّر أنّها ستتعب بعد نصف ساعة، ونعود، لكنّها مشت ومشت. وطلبت منّي أن نتسلّق جبلا. ثم طلبت أن ننزل إلى المدينة. وبعدها، صعدنا ولم نجلس سوى نصف ساعة في رحلة استغرقت ستة ساعات. كنت متعبا جدا، حين عدنا إلى البيت. وتصوّرت أنّ طفلتي ستنام مباشرة لكنّها لم تنم حتّى نمت أنا. وكانت الجملة الأولى التي قالتها حين فتحت عينيها: “بابا، أريد أن نخرج كما فعلنا في الأمس!” ابتسمت لها وأنا غير مصدّق وقلت: “لكنّني متعب جدا يا ماندا!”

منذ الصباح، وأنا أفكّر كيف أنّني كنت آخذ عربة الأطفال معي خوفا على ابنتي من التّعب وكيف أنّني لم أكن أعرف أنّ قدرتها على المشي أفضل بكثير من قدرتي. ابنتي أقنعتني أنّ تصوّري عنها كان محدودا بتصوّري عن نفسي وتصوّري أنّها طفلة لا تستطيع أن تتحمّل ما أتحمّله أنا، أي أنّني حدّدت قدراتها بمحدودية رؤيتي بدل أن أحدّدها بالحقيقة التي لم أكن اعرفها!

اليوم، تصوّرت أنّنا ننظر للعالم من منظور محدودية رؤيتنا فنفشل تماما بفهمه، لأنّ الفهم يتطلّب أشخاصا يعرفون أشياء لا نعرفها نحن. أنا سوف أفشل وأنت ستفشل وكلّ فرد في هذا العالم سوف يفشل، لكنّنا سويّة قادرون تماما على النّجاح لأنّنا نكمّل قدرات بعضنا. وعدم قدرتي على المشي على الحبل أو فهم اللّغة الصينية لا يعني أنّ كلّ البشر عاجزون عن ذلك. أعتقد أنّني تعلّمت ضمن ثقافة تقدّس فردا معيّنا في أعلى الهرم وتُصوّر دائما أنّ من في الأعلى قادر على كلّ شيء كساحر أو إله، في حين أنّ نجاح المجتمعات لا يقاس أبدا بفرد بل يقاس بقدرة الأفراد على المشاركة.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

علي سام

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..