تاريخ شخصيات

البطولة التونسية: القرصان يوسف رايس أو جاك سبارو الحقيقي

الكاتب: حسام طوبان

القرصنة البحرية في العالم

ساهمت القرصنة البحرية بالبحر الأبيض المتوسط في دعم الأسطول البحري التونسي طيلة قرون في ظل الدولة الحفصية. ثمّ تعاظمت تلك القوة مع البايات الحسينيين، فقد ساهم القراصنة في توفير الظروف المناسبة للسلطة في تونس لاستخدام القرصنة البحرية كورقة ضغط ضد الدول الأوروبية. باستمرار نشاط القرصنة بالمتوسط، أصبحت تعدّ وسيلة لتوفير الحماية من أي قوة بحرية أوروبية تهدد المجال الحيوي التونسي وتضمن للحاكم بتونس المال والهيبة والشهرة.

كانت القرصنة البحرية نظاما معمولا به ومعترفا به كنشاط قانوني من معظم الدول -بالأخص البحرية منها- و هي لا تقتصر على سواحل دول شمال إفريقيا بل كانت رائجة كذلك في الدول الأوروبية المشرفة على البحر. إذ يدين هؤلاء القراصنة بالولاء لسلطة البلاد التي يتخذونها منطلقا وقاعدة لنشاطهم فلا يخالفونها الأمر ولا يغيرون إلا على السفن التي لا تحوز معاهدة صلح معها، فيسبون ركّاب السفن المختطفة ويبيعون ما عليها من غنائم وعبيد في الأسواق المحلية.

القرصنة البحرية في تونس

مكنت هذه القوة البحرية الكبيرة -المسماة القرصنة البحرية أو جهاد البحر- البلاد التونسية من الصمود أمام المحاولات التي تقوم بها الدول الأوروبية لغزو تونس وكسر شوكة قوتها البحرية، كما كان بعض البايات يعمدون إلى تصعيد نشاط قراصنتهم في البحر كأداة للضغط على بعض الدول الأوروبية في فترات الحرب. ذكر ابن أبي الضياف أن الخوف والرعب كان يصيب الأوروبيين كلما اقتربوا من المياه الإقليمية لمنطقة شمال إفريقيا، وخاصة تونس التي بلغت قوّتها البحرية أوجها من القرن 16 إلى القرن 19 مع نهاية حكم حمودة باشا الحسيني. ويعود تعاظم هذه القوة إلى أمرين: أولا كفاءة حكام تونس وطموحهم المتزايد في بسط النفوذ والسيطرة، ومن جهة ثانية ثروة البلاد المتزايدة بسبب ازدهار التجارة والزراعة والأعمال والثروات.

تعكس تعمية الشعب التونسي عن معرفة تاريخه وأبطاله والتشبع بروح البطولة والمغامرة الموجودة لدى هؤلاء الأبطال جهل النخب السياسية والثقافية بتاريخنا الحقيقي ورغبة ضمنية في تقليد الحضارات الأخرى بدل الاستلهام من تاريخنا الثري وحضارتنا الضاربة في القدم. كمثال عن أحد الأبطال التونسيين الذين دافعو عن مصلحة تونس وعن أمنها واستقلالها، نجد القرصان يوسف رايس الذي صنع حول شخصيته فيلم “جاك سبارو” في سلسلة قراصنة الكاريبي.

القرصان يوسف رايس

القرصان يوسف رايس القرصان الأعظم في البحر المتوسط في القرن 17، أصل اسمه ” جاك وارد” الملقب بالعصفور. هو بحار إنجليزي المولد، عاش في إنجلترا من تعاطي الصيد ونشاط القرصنة، لكنه هرب بسبب خلافه مع العرش الانجليزي فالتجأ هو وكل طاقم سفينته لعثمان داي حاكم تونس سنة 1606، واتفق معه على الانضواء تحت الراية التونسية. ثم اتخذ من ميناء العاصمة قاعدة لعملياته في المتوسط، والتي يبقى أعظمها نجاحه في الاستيلاء على واحدة من أفخم سفن العالم في ذاك الزمان “Reniera e Soderina”.

انضمت السفينة للأسطول التونسي، لكنها نكبت عام 1607 في معركة بحرية ضد أسطول البندقية في معركة مات فيها حوالي 200 بحار تونسي بينما نجا القائد جاك وارد من الموت ورجع إلى تونس أين اعتنق الإسلام وأصبح اسمه يوسف رايس. وقد نجح في تحييد المحاولات البندقية والانجليزية حيث هزمهم عدة مرّات في البحر المتوسط وفي الأطلسي حتى أصبح أسطورة البحار الذي لا يقهر. في عهد عثمان داي، بقي يوسف رايس مخلصا لتونس وشارك في عمليات إجلاء المورسكيين المسلمين واليهود الهاربين من محاكم التفتيش في الأندلس، وربح معارك كبيرة ضد الإسبان. وقد أنتجت عنه أفلام مثل سلسلة “قراصنة الكاراييبي” ومسرحية لروبرت دابرون عنوانها “مسيحي صابئ”.

المصادر:

بيتر إيرلر “حروب القراصنة”/ The Pirate Wars” Peter Earle”
 إبن أبي الضياف “الإتحاف ج 2”
رشاد الإمام “سياسة حمودة باشا في تونس”

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

حسام طوبان

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..