سياسة و مجتمع

“هكذا تحصل على مقعد في الميترو.”

يوم مملّ آخر لا يختلف عن الذي قبله إلا في التواريخ. لقد أصبحت الحياة مملة و لا طعم لها، فالعقول خاوية ولا طاقة فيها. لا تعمل إلا ليلا حين تداعبها الكؤوس. فتمر الليلة حمراء أو سوداء وتستشيط العقول والقلوب و تفضي بمكنوناتها وفي بعض الأحيان بإفراط تفضي بأمعائها. فلا الليل زائل ولا العقل بمدرك إنه المكان الوحيد الذي يعمل فيه العقل بكل جوارحه مع اتصال مباشر بقلبه. إنّ الشباب يعاني الإهمال والدكتاتورية فلا مكان لإبراز المكنونات والإبداعات و القدرات. لقد أصبحنا نُسبى سبي القرن 21 فلا مكان ولا اعتبار لنا. والسؤال العريض هو: هل لنا مكان الآن؟ فحياتنا مسطرة لنا على أهواء شيوخ سيدفنون بعد حين.
العنوان دائما ..من أنا
ماذا أعرف
… بعد ذلك،
حقوق وأيضا واجبات
ثمّ،
أين نحن جميعا؟
أين الخطأ؟
أين الإجابة الصحيحة؟
لنختصر الطريق!

اختصَرَ الطّريق وفضّل عوض الذهاب مشيا أن يستقل وسيلة نقل ما، في عقل مازال يفكّر تاكسي أو ميترو أو حافلة. فقرر إحداها و ظل واقفا ينتظر مع بقية الخلق. مجموعة تنتظر الفوز بكرسي العرش والكلّ متسلّح إلا صديقنا. و قد كان من الدهاء أن ظلّ واقفا وهو متأكد بفوزه بالكرسي. وظلّ هائما يفكّر: اليوم يوم كئيب فلا حبيب يسأل ولا صديق يتّصل ولا عائلة تهتم، الكلّ صار بمنئى عني. فمن أنا وما هي حياتي و لماذا أنا هنا؟ فلا قيمة لي في مجتمعي الذي صار كل شخص فيه يبحث له عن موطئ قدم. إلّا أنا الذي افتُكَّت كل فرصه بسبب وحشية المواطنين وشراسة الحياة التي دفنتني حيا. يجب أن أنتفض و أطالب بحقي نعم فلدي عقل يمكنني من افتكاك حقي الشرعي. نعم فلا وجود لفارس الحق الذي سيعدل بين الناس فكل الناس تردّد “نفسي نفسي”. تلك هي الحياة، لقد تركتني صديقتي وتركت فراغا كبيرا في حياتي ربما يجب أن أجد أخرى أملأ بها حياتي و ربّما جيبي. إني قلق ومكتئب من هذه الوحدة. سوف أذهب إلى المقهى علّي أجد مباراة أكمل بها هذه الليلة وأختم بها هذا اليوم البائس.

قطع التفكير صوت المترو القادم وإذ بالشعب الكريم قد إصطفّ إستعدادا لحرب الإنتخابات الشعبية والكل جهّز معدات الحرب البرية. فلا أحد يريد أن يكون من المهمّشين بجانب الفائزين إلا أنا فقد كنت من الماهرين المكرة ذوي التجارب السابقة المكللة. فالحرب خدعة وتحطيط ودراسة. ولأني بارع في ميداني تركت الشعب يتصارع بين من يريد الخروج من المعمعة ومن يريد الدخول، عداي الذي أسلم نفسه للموجة إستعمالا لنظرية الفوضى، فالسيول الدافقة أوصلتني. لكن هول الصدمة كان مزلزلا فلا مكان شاغرا فيها. أظلمت الدنيا وتمسكت بقضيب كان الوحيد البارد و الثابت في هذه المنطقة، فالجسد كان بركانا هائجا من الغضب و الحقد. الحرارة كانت مستعرة والقلب يعمل بأقصى سرعة لإيصال أكبر نسبة من الأوكسجين للعقل لكي يتفادى هول قرار طائش. لا تزال القافلة تسير وسارت معها عيناي لآخر المقصورة، في آخر الرّكن كانت تجلس وسرعان ما ملكت العقل وحتّى القلب امتُلك.
ﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺃﺑﺪﺃ ؟؟
ﻭﻛﻴﻒ ﺃﺑﺪﺃ ؟؟
ﻻ ﺃﺩﺭﻱ ﻛﻠﻤﺎ ﺃﺭﺩﺕ أن ﺃﺑﺪﺃ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﻪ ﺃﺗﺮﺩّﺩ .. ﺃﺗﺮﺍﺟﻊ .. ﻻ أﻋﻠﻢ ﻟﻤﺎ أﺗﺮﺍﺟﻊ، أﻳُﻌﻘﻞ أﻥ ﺗﻜﻮﻥ من حور الجنة ؟؟ ﻫﻞ ﺃﺑﺪﺃ بوصفها ﻭﺟﻤﺎﻟﻬﺎ ﺃﻡ بالحالة ﺍﻟﺘﻲ أﺩﺧﻠﺘﻨﻲ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻟﻨﻈﺮ لوجهها. ﻭﺟﻬﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻣﻄﻠﻊ ﺍﻟﻘﺼﻴﺪﺓ!! ﻳﺴﺤﺒﻚ ﻭﻛﺄنّك ﺯﻭﺭﻕ ﺷﺮﺍﻋﻲ ﻓﻲ ﻟﻴﻠﺔ ﺻﻴﻔﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺷﻮﺍﻃﺊ ﺍﻹﻳﻘﺎﻉ. ﻳﻔﺘﺢ ﺃﻓﻘﺎ ﻣﻦ الإتجاهات المتعددة ﻭﻟﺤﻈﺔ للابداع!! ﻳﺎ أﻧﺖِ ﻭﺟﻬﻚ ﻣﺪﻫﺶ، ﻟﻮﺣﺔ ﺯﻳﺘﻴﻪ ﻭﺭﺣﻠﺔ ﻣﻦ ﺃﺑﺪﻉ ﺍﻟﺮﺣﻼﺕ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﻴﺎﻝ ﻭاﻟﻮﺍﻗﻊ. ﻣﺎ ﺃﺟﻤﻠﻪ ﺣﻴﻦ ﺃﺭﺍﻩ ﺳﺎﻋﺔ ﺍﻟﺼﺒﺎﺡ ﻳﺤﻤﻞ ﻟﻲ ﺍﻟﻘﻬﻮﺓ ﻓﻲ ﺑﺴﻤﺘﻪ ﻭﺣﻤﺮﺓ ﺍﻟﺘﻔﺎﺡ ﻓﻲ ﻭﺟﻨﺘﻪ. ﻟﻘﺪ ﺍﺣﻤﺮﺕ ﺧﺠﻼ ﻣﻦ ﻧﻈﺮﺍﺗﻲ ﺍﻟﻤﺘواصلة ﻟﻬﺎ. بقيت صامتا محدقا في عينيها، وما نظر أحد لعينيها إلّا هلك! وبدأت أفكّر، أ أكلّمها أم لا في لحظة صارت حياتي كلها على المحك؟

وقف أمامها و ظلّ يرمش لها بعين غاوية حتى أسبلت رمشها و أتبعت له بأخرى غامزة، فتقدم منها وأومأ لها أن ينزلا في المحطة القادمة. فأجابته بإشارة غير ممانعة. وعندما فتحت أبواب الميترو قفزت الطفلة مسرعة إلى الخارج و هي تسوّي شعرها للخلف وهو يثب قافزا من ورائها. نزلت وهي تمنّي النفس برجل غنيّ شهم تمضي بقية العمر معه في دلع ورغد وهي لا تعلم النهاية. كان يبدو في الواجهة الزجاجية للميترو جالسا مكانها. و بيده أشار لها علامة النصر V.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

محمد إسلام بوعزيزي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..