مراجعات

شرق الوادي أو عودة الابن الضّالّ

رواية فانتازية تاريخية يختلط فيها الواقع بالخيال والتاريخ بالأحداث الأسطورية بأسلوب  تركي الحمد الرائع الذي يجعلك متعلقا بالرواية منذ السطور الأولى. فتتعمّد التمعن في كل كلمة ممنيا النفس باستمرار هذه الحكاية العجيبة إلى الأبد، ليستمر استمتاعك بهذا الأسلوب الفذ الذي يهدم حائط الزمن ليجعلك تسبح في عالم من الخيال تارة و يعيدك إلى عالم الحقيقة تارة أخرى!

في البدء/ سفر الآفلين/ سفر الأولين/ سفر التائهين / سفر اللاهين / وأخيرا سفر الحنين، المغامرة بين فصول هذه الرواية الممتعة تجعلك تحاول مرارا مجاراة نسق الأحداث وفي بعض الأحيان تتمنى أن تسبقها لمعرفة ما سيحدث. إضافة إلى محاولات مستمرة لفك الرموز و الأحجيات التي وزعها الكاتب على كامل الرواية بذكاء يحسب له، زاد من روعة الرواية و غموضها.

التشويق كان حاضرا من خلال شخصية ” سميح الذاهل ” و الذي مثل اللغز المحير لكل الشخصيات، وخصوصا ” جابر “. فظهوره و اختفائه دون سابق إنذار أضفى بعدا آخر على أحداث الرواية. ولا ننسى محرك الأحداث ” أبو عثمان ” الذي كان بمثابة المرجع فعندما تتعقد الأمور، تنطق هذه الشخصية و تقدم مجموعة من من الحقائق التاريخية التي تساعد في دفع أحداث الرواية نحو الأمام.

إن قارئ هذه الرواية سيستمتع كثيرا بوصف الحياة البدوية الصحراوية ببساطتها و بأدق تفاصيلها خصوصا وأن تركي الحمد ركز على نقل العادات و التقاليد. ومن المقاطع التي رسخت في ذهني تلك التي وصف فيها أهالي الخب بأنهم يثرثرون ويتحدثون كثيرا:

فالخب لابد أن تلهج فيه الألسن.

تطرقت الرواية أيضا إلى ظروف تأسيس المملكة العربية السعودية والصراعات و الحروب التي تتعددت في تلك الحقبة من الزمن. ورغم ذلك الزخم من الأحداث، نجحت الشخصيات في فرض نفسها وتموقعت في الرواية. وهنا تظهر القدرة الإبداعية للكاتب في المراوحة بين سرد الوقائع التاريخية دون السهو عن الشخصيات المحورية.

طريقة رسم الشخصيات في هذه الرواية مهمة جدا، فقد زادت في الإثارة وساهمت في رفع نسق السرد من خلال التأثير في الأحداث. فظهور “زهرة” وهي العبدة التي أعتقها “أبو عثمان” وتزوجها مثّل نقطة تحول في الخب، إذ أصبحت محط أنظار النساء بزينتها وأفكارها الجديدة وجلبت اهتمام الرجال بجمالها الأخاذ. الشخصيات المحيطة بالبطل أيضا كانت كثيرا ما تأثر في الأحداث. فمثلا علاقة جابر بإيثل وماكان فيها من غرابة، حولت حياته إلى حرب نفسية يخوضها مع نفسه وجعلت القارئ في حيرة أمام هذا التحول الذي بدأ يطرأ على شخصية البطل.

عموما، كان لكل الشخصيات تأثير كبير و دور هام في إضفاء المتعة على أحداث الرواية. وقد راقتني شخصيتا “أبو عثمان” و”عبد الرسول” فعلى الرغم من حضورهم الخاطف في الأحداث لكن تركوا بصمة على أحداث الرواية و في نفسية القارئ.

الرواية كما كانت وسيلة و فرصة للقارئ للتعرف على تاريخ المنطقة النجدية و ما يحيط بها كانت كذلك نافذة للإطلاع على العديد من الأماكن و البلدان من خلال رحلات جابر بحثا عن سميح الذاهل؛ فيتعرف القارئ على طبيعة العيش في عمان و الشام و يكتشف أهم معالم القدس. و من أكثر تجارب “جابر” التي شدتني، تجربة السعودي كامب”، حيث قصد المكان للعمل وتعرف على أصدقاء جدد وبدأ التغيير يطرأ على شخصية البطل ( مظاهرات وإجتماعات .. ). أعتقد أنّ هذه التجربة كانت حاسمة في حياة البطل فقد كانت أول تجربة له مع الخطيئة والتي مهدت لدخول فصل جديد في الرواية و تغير جذري في نسق حياة البطل.

من خب السماوي إلى الولايات المتحدة، أعجبني التطور العجيب والصادم في شخصية “جابر”. فمن البداوة والبساطة والتدين إلى شرب الخمر وعدم الاهتمام بالعادات والتقاليد، يستمر النسق التصاعدي للأحداث. يتعرف على “غريس”، وطريقة الالتقاء صاغها الكاتب بطريقة سلسة ولم تكن مسقطة على النص بل كانت في سياق الأحداث. فيتنبأ القارئ بالإستقرار بعد إنجاب “غريس” لسميح وتعوّد “جابر” على ذلك ولكن لا تلبث أن تعود الإثارة بالإختفاء المفاجئ للزوجة و الرضيع!

في آخر الرواية يعود “جابر” إلى خب السماويآن للإبن الضال أن يعود. ” وتظهر كل الشّخصيات بوضعيات جديدة تنبئ بالخاتمة. الرواية ، رغم أنها غوص في أعماق التاريخ إلا أنها لا تخلو من عدة قضايا دينيّة. بل إنّ هلوسات البطل وبعض أقواله وتساؤلاته توحي بالبعد الوجودي الذي كان حاضرا بقوّة!

 

رابط تحميل الرواية

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

ضياء بوسالمي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..