تاريخ سياسة و مجتمع

22 سبتمبر 1980: يوم أسود، 10 نقاط عن الحرب العراقية الإيرانية.

الكاتب: وائل زميط

في مثل هذا اليوم، بدأت الحرب العراقية الإيرانية التي أعتبرها واحدة من أتعس المصائب التي حلت بـ “الأمة الإسلامية” وبمنطقة الشرق الأوسط. هي الحرب الأطول في القرن العشرين، حرب استمرت 8 سنوات، حرب أُنهِك فيها الجيشان العراقي و الايراني ودُمِّر اقتصاد البلدين وراح ضحيتها قرابة المليون من المسلمين ناهيك عن ملايين الجرحي و المشردين. حرب تحقق على إثرها حلم الأمريكي المخضرم هنري كسنجر: “خسرت الدولتان الحرب”.

  لا يزال الأثر المعنوي و النفسي للحرب العراقية الإيرانية  حاضرا في الوعي الجمعي للشعبين. أما ماديا، فقد تضررت البنية التحتية و اقتصاد البلدين إذ خرجت العراق من الحرب بمديونية بلغث عشرات بلايين الدولارات منها 16 بليون للكويت.، و التي كانت من أهم الأسباب التي قادت “آلهة التهور”، صدام حسين، إلى ارتكاب خطا استراتيجي قاتل في 1990 ألا وهو غزو الكوويت. كان ذلك تاريخ وفاة الزعيم العراقي ونظامه، أما ما تلى ذلك من حصار اقتصادي طيلة التسعينات و احتلال في 2003 فهوعبارة عن جنازة و موكب دفن النظام البعثى.

للحرب العراقية الإيرانية جوانب عدة و تتطلب دراستها كتبا و مجلدات. سنكتفي في هذا المقال بالحديث عن هذه الحرب الدامية في 10 نقاط مختارة لا تلخص أطوار الصراع ولكن قد تضيء بعض النقاط المنسية والتي وجب تذكرها أو ببساطة بعض النقاط التي أود مشاركتها معكم.

  • نبدأ ببعض كواليس هذه الحرب و بصورة قد تعطي أفضل مثال عن طريقة تسيير بعض الأنظمة العربية. يروي السيد حامد الجبوري أن المجلس الوزاري العراقي لم يكن على علم أن العراق على وشك دخول حرب مع جارته الشرقية إلا قبل بضعة أيام من انطلاقها. في الواقع، كان صدام حسين يشرف على التحضير و التخطيط للحرب معتقدا أنّها ستكون حربا خاطفة وسهلة تمتد من 4 إلى 6 أسابيع. إذا كان الرئيس العراقي يخطط لغزو بلد مساحته أكبر 3 مرات من العراق و يبلغ تعداد شعبها أكثر من 60 مليون نسمة  والأهم كان يعتقد أنه قادر على النجاح في مهمته و“جرّ الخميني من لحيته إلى خارج إيران” في ظرف عدة أسابيع أو أشهر . امتدت الحرب 8 سنوات !
  • أعتقد أن أفضل تسمية لهذه الحرب هي “حرب العناد”، بدأها صدام حسين و أصر الخميني على عدم إيقافها، في حين كان الجميع يعلم أنه من شبه المستحيل أن يحقق أحد الطرفين انتصارا كاملا و شاملا. هنا تجدر الإشارة، لمن يشكك في هذا المعطى، أن استفزازات آيات الله و أحلام تصدير الثورة من الجانب الإيراني قابلتها محاولات واستفزازات عراقية لعلّ أهمها تجنيد أكثرمن 400 ضابط إيراني تم إعدامهم لتعاملهم مع صدام العراق ولمحاولة قلب النظام في طهران. إذن كانت الاستفزازات والمناوشات متبادلة ولكن من بدأ الحرب معلوم.
  • لعل من أبرز ما ميز هذه الحرب أن الكل سعى إلى استمرارها، فكانت بعض الدول الغربية تمول الطرفين في نفس الوقت أي تبيع الأسلحة لكل من العراق و إيران، ليتواصل سقوط المسلمين من الجانبين.
  • لمنع انهيار الجيش العراقي و تفادي فرار المجندين، تم الإعتماد على الأسلوب الستاليني: تفر من المعركة، يتم إعدام أحد أقربائك أو أفراد عائلتك (شهادة ضباط عراقيين).
  •  في الجانب الإيراني، تم الرمي بآلاف الشباب، شباب بل وأطفال إيرانيون لفت جباههم بشعارات دينية (يا حسين)، يفتحون حقول الألغام بأجسادهم، أما عن أفيونهم فكان الإدعاء أنهم حملة مفاتيح الجنة وأن مثواهم الجنة رفقة آل البيت، رضوان الله عليهم.
  • منذ البداية دعمت الولايات المتحدة العراق فقامت بحذف العراق من قائمة الدول الداعمة للإرهاب سنة 1982 لتتمكن من إمدادها بالأسلحة. أثناء الحرب قام “دونالد رامسفيلد”، مبعوث الرئيس الأمريكي “دونالد ريجان” إلى بغداد، بالاجتماع بصدام حسين. فكان التنسيق ضد إيران والدعم الأمريكي السياسي والمادي واللوجستي والمخابراتي للعراق. ومن سخرية القدر، بعد 20 سنة، كان نفس الرجل أي “رامسفيلد” وزير الدفاع الأمريكي الذى أسقط صدام حسين عقب غزو العراق في 2003. المفارقة أن الأمريكان اعتمدوا في 2003 ذريعة امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل، أسلحة لم تكن موجودة، في حين أنهم كانوا ممن غضوا النظر عن استعمال القائد البعثى للأسلحة الكيميائية المحظورة دوليا ضد الأكراد و ضد الإيرانيين قبل سنوات، بل وتؤكد العديد من التقارير وجود تعاون أمريكي عراقي على مستوى تطوير الاسلحة ومنها الكيميائية أثناء الحرب.
  • شهدت هذه الحرب ما عرف بـ “فضيحة إيران كونترا” أو “إيران غايت”: إيران تشتري أسلحة من الشيطان الأكبر (أمريكا) عبر الشيطان الأصغر (اسرائيل) ثم تحوّل أمريكا تلك الاموال لمليشيات قصد إسقاط حكومة ساندنيستا المنتخبة ديمقراطيا في نيكاراجوا. هنا نشيد مرة أخرى بالديمقراطية الأمريكية وثقافة حقوق الإنسان ومبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. في ما يتعلق بنيكاراجوا ودعاة السلم والمحبة، الأمريكان، اتهمت محكمة العدل الدولية الولايات المتحدة الإمريكية بالإرهاب الدولي والإستعمال الغير قانوني للقوة لتحقيق أهداف سياسية. ولعلّ أفضل تعليق على هذا الواقع دعاء اعتاد جورج بوش ترديده: “نسأل الرب أن يواصل مباركة أمريكا”!
  • الأكثر “غرابة” و طرافة، و من السذاجة الحديث عن الغرابة في السياسة والعلاقات بين الدول، كانت إسرائيل في بداية الحرب تحاول لعب دور الوسيط و تحاول إعادة العلاقات الأمريكية الإيرانية، وكان من بين المتورطين في “إيران كونترا” أمريكي قريب من اللوبي الصهيوني في واشنطن يدعى “مايكل ليدين”. المفارقة أن السيد “ليدين” أصبح في 2002 من أشد المطالبين و الداعين إلى ضرب طهران و إسقاط نظام الملالي، و كان له مقال دوري ينهيه كل مرة بنفس الجملة “ !Faster, please” أي أسرعوا إلى ضرب إيران بعد إسقاط العراق.
  • وقعت في هذه الحرب إحدى الحوادث النادرة، إذ أسقطت العراق طائرة أمريكية (USS Stark). حادثة راح ضحيتها 37 أمريكيا، فألقت الولايات المتحدة اللوم على إيران وتم استغلال العملية للتحريض ضد طهران ودعم بغداد. بعد أعوام من الحرب، قامت العراق بدفع تعويضات لعائلات الضحايا الأمريكيين.
  • في علاقة بإسقاط الطائرات و في واحدة من العمليات الإرهابية الامريكية ، قامت السفينة الحربية الامريكية (USS Vincennes)  بقصف طائرة مدنية إيرانية (Air Flight 655)  مخلفة 290 ضحية منهم 60 طفلا. في واشنطن، تم اعتبار الجريمة ”حادثا” و “خطا” ثم تحولت بشاعة المشهد إلى وقاحة عندما تم تكريم طاقم السفينة الحربيةعلى انجازهم البطولي!! خُتم المشهد السريالي بتصريح مثير للجدل جورج بوش الاب الذي علق قايلا: لاداعي للاعتذار مهما كانت الوقائع ، لسنا من النوع الذي يعتذر على اشياء تقوم بها امريكا!هذا و يعتقد البعض أنّ هذا التدخل الأمريكي السافر والمباشر في الحرب ضد طهران كان من بين الأسباب التي دفعت الإيرانيين والخميني إلى “تجرع كأس السم” و وقف الحرب بعد أيام من الواقعة.

نختم بالقول أن موضوع الحرب العراقية الإيرانية، وإن كان شيقا، متشعب ويتطلب عشرات ومئات الصفحات للتطرق إليه من مختلف جوانبه. وما هذه الأسطر في هذا المقال إلا بعض إشارات إلى أحداث ووقائع في تلك الحرب الدامية التي مزقت البلدين و أنهكت الشعبين. ولو أن الندم لا ينفع، لكن كان الأفضل للبلدين لو جلس صدام حسين مع الخميني وتدارسا ما كتبه العبقري الصيني “سون تزو” قبل 2500 عام في أقدم مدونة عسكرية موجودة “فن الحرب” إذ حذّر قائلا “ما استفادت أمّة قط من حرب طويلة.” اليوم، بعد 35 سنة، صار العراق، للأسف، شبه ولاية تابعة وخاضعة لإيران. والأهم، لا يزال العرب والمسلمون يخوضون حروبا بالوكالة، حروبا لا طائل منها، حروبا كان يجدر بهم عدم خوضها أصلا.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

وائل زميط

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..