ترجمة علم نفس

البشر كائنات عاطفيّة!

الكاتب: كيرلس بهجت

… أنا لم آتِ إليكم كي أستولي على مشاعركم، فلستُ خطيبا مفوّها مثل بروتس. ولكنني ـ كما تعرفون جميعا ـ رجل بسيط ساذج، يخلص الحب لصديقه. إنني أفتقر إلى البديهة الحاضرة، والألفاظ المنتقاة، والمكانة المرموقة، وبراعة الأداء، وحسن الإلقاء، وذلاقة اللسان، التي تثير مشاعر الناس، ولكنني أتحدث إليكم عفوَ الخاطر وحسب. وأحدثكم عما تعرفونه، وأريكم جراح قيصر الحنون ـ تلك الأفواه الخرساء البائسة المسكينة ـ وأسألها أن تتحدث نيابة عني …

هذا جزء من خطاب أنطونيو الذي ألقاه بعد قتل القيصر ليكسب الشّعب (من مسرحيّة يوليوس قيصر لشكسبير). كان الشعب غاضبا بسبب موت قيصر، وكان من المحتمل أن يتحوّل الأمر لثورة. خرج بروتس وخاطب الجماهير بالمنطق والعقل، فاقتنع البعض لكنّ الأغلبية بقيت في حالة هيجان. أمّا بعد خطاب أنطونيو العاطفيّ، فإنّ الشعب صدّقه وانحاز له !

أجرت دكتورة علم النفس Lera Boroditsky/ليرا بروديتسكي في جامعة Stanford/ستانفورد تجربة غريبة بعض الشيء لتدرس مدى تأثير الألفاظ المستعملة والأسلوب في إيصال المعلومة وتشكيل الإدراك عند البشر. التجربة عباره عن مجموعة من الأشخاص يتم إخبارهم عن ارتفاع معدّل الجريمة في المنطقة، بعد تقسيمهم إلى مجموعتين. بالنسبة للمجموعة الأولى يتمّ توصيف الجريمة بـ”وحش” في حين توصف بـ”فيروس” للمجموعة الثانية. ثمّ يتمّ طرح أسئلة عن آرائهم حول طرق محاربة الجريمة.كانت المفاجأة كما يلي:

  • أغلب الذين قيل لهم أنّ الجريمة “وحش”، طالبوا بتطبيق القانون بشدّة ومعاقبة المجرمين بقسوة. وتعاملوا مع المجرمين في حديثهم على أنّهم “وحوش” يجب القضاء عليهم.
  •  أغلب الذين قيل لهم أنّ الجريمة “فيروس”، طالبوا بتطوير المجتمع و احتواء الفقراء و العاطلين لأنّ هذي هي الأسباب الحقيقيّة وراء الجريمة. وتعاطوا مع المجرمين على أنّهم “ضحايا المجتمع”.

جزء آخر من التجربة اهتمّ بقياس مدى تفاعل البشر مع عقلانيّة ومنطقيّة المعلومة. تمّ تقسم المشاركين إلى مجموعتين، مجددا. مجموعة قيل لها أنّ معدّل الجريمة قد زاد فبلغ 10000 جريمة في السنة الواحدة. بينما قيل للمجموعة الثانية أنّه زاد بمعدّل 500 جريمة في السنة. كانت الصدمةأنّ أغلب الذين قدّمت لهم معلومة “10000 جريمة/السنة” لم يستغربوا أو يندهشوا من ضخامة الرّقم، رغم أنّه رقم غير منطقي مقارنة بعدد سكّان المنطقة. نسبة صغيرة فقط علّقت على الرّقم وانتبهت لامكانيّة أن يكون خاطئا. عندما واجه القائمون على التجربة المشاركين، كان ردّهم بأنّهم لم ينتبهوا للرقم بدقّة بل تعاطوا معه على أنّه رقم ضخم وكفى.

في نهايه التجربة، قالت الدكتورة بوروديتسكي في تحليلها للنتائج:” إن البشر يرغبون في الظهور كموضوعيين أو منطقيين، يرغبون في في أن تبدو قراراتهم مبنية على الحقائق والدلائل، لكن في الحقيقة من السهل جدّا أن يتمّ التلاعب بهم في قراراتهم ببعض الألفاظ العاطفيّة والتشابيه المؤثرة.”

يوصلنا هذا لنتيجة تكاد تكون حتمية، وهي أننا كائنات تتفاعل مع من يلعب على أوتار مشاعرها، كائنات تشعر بملل و إرهاق ممن يخاطبها بالأرقام و الحقائق المجردة، كائنات من السهل جدا أن تقنعها أو تفرحها، تخوّفها أو تحرّكها، تشلّ إرادتها أو تسلب حريتها فقط إن ستطعت أن تجد لك مدخلا في علاقة بالوجدان والأحاسيس. الأمر ليس مرتبطا بقادة أو زعماء سياسين فقط، بل على مستوى علاقاتنا الاجتماعية أيضا. الأشخاص الذين نرغب في الاستماع لهم، نرغب في أن نكون معهم أو نجعلهم قدوة هم الذين يخاطبون عواطفنا قبل فكرنا وعقولنا، الذين نتفاعل بعواطفنا معهم فلا نحلّل ولا نلجأ لأرقام وإحصائيات. الحقيقة التي لن نستطيع إخفاءها، هي أنّ البشر كائنات عاطفيّة!

فكرة وإعداد: كيرلُس بهجت

إعادة صياغة: نهى سعداوي

المراجع:

https://www.psychologytoday.com/blog/unconscious-branding/201503/why-feelings-will-always-beat-facts?utm_source=FacebookPost&utm_medium=FBPost&utm_campaign=FBPost&hc_location=ufi 

 يولويس قيصر – وليم شكسبير

الصورة:  الشعب الألماني يحيي هتلر سنه 1936 في افتتاح الأولمبياد.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

كيرلس بهجت

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..