سياسة و مجتمع

الخيانة الزوجية

 يبدأُ القلقُ حِينَ تَعِي المشاكِل أكثَر ممّا يجبُ. مِنَ الموضُوعاتِ المَسْكُوتِ عليها فِي هذا المُجْتَمَعِ موضُوعُ الخِيانَةِ الزوجِيَّةِ. وقدْ حاولتْ بعضُ الدرامَا المحلِيَّةِ الحديثَ عنهُ لكنَّ أسلوبَها كانَ ممجوجًا فَأسقطَ الرِّسالَةَ وأبقَى الرّداءَةَ.

فِي حديثِ لِي معَ صدِيقٍ بعدَ أنْ أتممنَا مُشاهَدَةِ مُسلسلٍ مُتميّزٍ منَ المُسلسلاتِ السُوريَّةِ الجَدِيدَةِ “قَلم حُمرة” أكَّدَ لِي رأيهُ فِي أنَّ ما رأيناهُ صادِمًا فِي حلقاتِهِ ليسَ سوَى جُزءٍ بسيطٍ منْ حقيقَةِ سوداءَ فِي مُجتمَعنَا المُحترمِ. وكنتُ أوافِقُهُ تمَامًا لما أعْرِفُهُ منْ مظاهِرِ الدِياثَةِ عندَنَا منْ جِهةٍ ومظاهِرِ الانْحِلالِ منْ جِهةٍ أخْرَى. ناهيكَ عنْ أنَّ طريقتَنَا فِي الزواجِ تشكُو علِلًا فادِحَةٍ منْ جهةِ أنّنَا نقضِي الوقتَ فِي إعدادِ اللوازمِ المادِيَّةِ واقتنَائِها دُونَ أنْ ننتبِهِ إلى اللوازمِ العاطِفيَّةِ والتوافقيَّةِ إلّا بعدَ أنْ يكُونَ الأوانُ قدْ فاتَ.

جُزءٌ كبيرٌ منَّا يُمارِسُ الخِيانَةَ سواءٌ بالقلبِ أو بالجوارِحِ ويُسمّيها أسماءَ أخرَى تهرُّبًا منْ وخزِ الضميرِ لمَنْ مازالَ عندَهُ شيءٌ منهُ. جُزءٌ آخرُ يرَى أنَّ إقامةَ علاقَةِ هامشيَّةِ خارجَ العلاقَةِ الرسميَّةِ هُو طريقَةُ فِي المحافظَةِ على استمرارِ العائلَةِ وتحمُّلِ النكدِ اليومِيِّ والتنفيسِ عنْ النفسِ والاستدراكِ على خطإٍ فِي الاختِيارِ. وما أسهلَ أنْ نعثُرَ على أعذارِ لأنفُسنَا.

إنْ خرجنَا قليلًا منْ هذا النسقِ في التفكيرِ دخلنَا إلى نسقٍ أرحبَ يرَى أصحابُهُ أنَّ طبيعَةَ الحياةِ وفضاءاتِ الوجودِ وخاصَّةً منهَا العملَ لها دورٌ مهمٌّ فِي تسهيلِ الخيانَةِ أو التحرِيضِ عليهَا. وربّما رأى آخرونَ منْ حملةِ النظرةِ الفلسفيَّةِ أنَّ الحداثَةَ وما تبشّرُ بهِ منْ انفِصالِ الجنسِ عنِ الزواجِ وانفصال الإنسانِ عنِ القيمَةِ واختراعِ اللذائذِ المُستحدثةِ واختزالِ الوجودِ الآدمِيِّ في بعدِ الاستهلاكِ، كُلّها عواملُ تهدِمُ ثقافَةَ الوفاءِ والبقَاءِ علَى العفَّةِ، العفَّةُ التي أصحبتْ مفهومًا رجعيًّا عندَ كثيرينَ منَ المُدافعينَ عنْ حُرّيَةِ تأجيرِ المُؤخراتِ والمُعترضِينَ سفاهَةً على كونِ البكارةِ منْ مُتعلّقاتِ الطهارةِ. وأسوءُ مَا في الأمرِ على كُلِّ حالٍ أنَّ الكثيرَ منَ الشبابِ أصبحَ يميلُ إلى العُزوفِ عنِ الزواجِ لأنَّ تصوُّرهُ للحياةِ بمنطقِ المُتعةِ يجعلُهُ في غِنًى عنِ الالتزامِ معَ القُدرةِ علَى الحُصُولِ علَى اللّذَةِ والنساءِ بأثمانِ بخسَةِ ورُبّما مجّانًا فِي أحوالٍ عدَّةٍ.

هلْ يحمينَا الدِينُ منْ هذهِ الآفاتِ؟ هذا موضوعٌ آخرُ مُطوّلٌ على كُلِّ حالٍ.لكنَّ ما يجبُ الإشارةُ إليهِ هوَ مُفارقَةٌ غريبةٌ تَكمُنُ فِي أنَّ نساءً كثيراتٍ يرفُضنَ مبدأَ تعدّد الزوجاتِ (وهذا معقُولٌ إلى حدِّ ما) ويقبلنَ مبدأ تعدّد العشيقاتِ مادامَ الازواجُ يعُودُونَ ليلًا إليهنَّ مُتعبينَ منَ الأشغالِ الشَاقَّةِ..قالَ لِي صديقِي إنَّهُ يشكُّ أنَّهُ ثمَّةَ رجُلٌ يرفُضُ قناعَةً الخيانَةَ.قلتُ إنَّهُ لاَ يكُونُ رَجُلًا إنْ لمْ يرفُضْ. رُبّما كانَ الأجدرُ أنْ يقولَ إنَّهُ منَ النادِرِ أنْ تجدَ رَجُلًا يُفكِّرُ فِي أنَّ زوجتهُ هيَ خُلاصَةُ كُلِّ النساءِ.. أو عطرُ كُلِّ الورودِ، وأنَّ العُهرَ يبدأ فِي الخيالِ حَتّى وإنْ لَمْ يحدُث فِي الواقعِ.

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نضال السعيدي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..