سياسة و مجتمع طب و صحة

الرمان

الكاتب: نهى سعداوي

كان لدينا عدّة أشجار رمّان، ثلاثة خلف المنزل وخمسة أمامه تصطفّ على التوالي: ثلاثة عتيقة قريبة من البيت، فاثنتان لم يبقَ الآن غيرهما. صمدتا في وجه الاقتلاع والشيخوخة، فالرمان شجرة معمّرة قد تعيش حتّى الخمسين سنة، تبدأ في الإثمار منذ السنة الثالثة ولكنها تعطي أعلى منتوج لها عند بلوغها من العمر بين عشرة واثنا عشر سنة. ثمار شجراتنا متنوّعة فيها ما تميل قشوره للورديّ اللباهت أو المصفرّ وفيها ما هو أحمر قان مبهج. وكذلك الحبيبات داخل القشرة، فيها الوردي الفاتح الذي يكاد يكون أبيضا وفيها الوردي. لكن من حبّات الرمان ماهو أحمر قان بلون الدم. كما أنّ الطّعم يختلف، فهناك الحلو والحامض والمرّ.

أصول الرمان

فارسيّة، فقد استقدمه العرب وتنقّل حول المتوسّط وفي جنوب جزيرة العرب حتّى اليمن حيث يعتبر الرمان اليمني من أجود أنواع الرمان. وصل الرمان إسبانيا التي تشتهر بزراعته الآن، مع العرب، ليأخذه المستعمرون البيض معهم إلى أمريكا. ولعلّ في لفظة جلّنار ما يشير لموطنه الأصليّ، فهي تعريب لكلمة “كلنار” التي تعني بالفارسية “ورد الرمان”. وزهر الرمان من أجمل أنواع الزّهر حتّى أنّ نوعا منه -اسمه العلمي  Punica protopunica- يزرع أشجارا للزينة نظرا لجمال أزهاره الحمراء متعددة البتلات.

الفوائد والاستعمالات

من الناحية الغذائيّة تحتوي مائة غرام من الرّمان على:

  • 83 حريرة
  • 1.2 غرام من الدهنيات
  • 0 ملغ كوليستيرول
  • 19 غ سكريات منها 4 غ ألياف و14 غ سكّر
  • 17 غ بروتينات
  • الفيتامينات B6، C
  • كميات هامة من الأملاح خاصة البوتاسيوم، الصوديوم والماغنيزيوم

للرّمان فوائد كثيرة تشمل القشرة الخارجيّة للثمرة والحبّات والقشرة الرقيقة التي تفصل بينها. استعملت قشور الرمان قديما لدباغة الجلود ولا تزال، ذلك أنّها تحتوي على مادة التانين الملوِّنة. في قريتي تقوم بعض النساء باستعمال الماء الملوّن الذي يتحصلن عليه بعد غلي القشور مع الحنّاء للحصول على لون أدكن عند استعمال الحناء لتلوين الشعر. في الحقيقة الحنّاء والرمان في بلادنا يتجاوران في الأرض أيضا، ففي مدينة قابس في الجنوب التونسي يُعتبر الرمان المستوى الثاني من الغراسات في بعض الواحات فيما تأتي الحناء في المستوى الثالث. وواحات قابس معروفة برمّانها كما تعرف المدينة بمدينة الحنّاء.

واحة في قابس فيها النخيل والرمان

لا أزال أذكر طرفة حكتها لنا ابنة عمتي حصلت معهم في درس الإنشاء حين طلبت الأستاذة منهم كتابة وصف لفتاة جميلة، إذ قال زميل لها في وصف خدود الفتاة المحمرّة “خدودها حمراء كرمّان قابس والمطويّة.” والوصف هنا ابن البيئة فهم في الجنوب حيث حمرة الرمان أصدق وأقرب من حمرة الورد الذي يستوجب مناخا ألطف، فيما الرمان بأصوله البريّة لا يحتاج ظروفا مناخيّة خاصّة بل هو على العكس لا يتأثّر بالحرّ والرّيح ولا تكلّف غراسته جهدا من الأساس. يكفي قصّ عود من الشجرة ذو تفرّعات بقطر لا يتجوز الصنتيميتر وغراسته في الزمن المناسب للحصول على شجرة مثمرة بعد سنتين أو ثلاثة.

من استعمالات الرمان التي قد لا تخطر على البال، أنّ نقيع أزهاره مفيد للربو. قشور الرمان نافعة أيضا لخفض الكوليسترول في الدم وعلاج التهابات الحلق كما استعمل الهنود مسحوق قشر الرمان محلولا في الماء لعلاج مشاكل الفم واللثة سواء غرغة أو تدليكا للثة. سجّلت سنة 2015 ستون محاولة اكلينيكيّة في معاهد الصحة الوطنيّة لدراسة آثار استهلاك مستخلصات الرمان أو عصيره على عديد الأمراض والاضطرابات الصحية منها سرطان البروستاتا، العقم عند الرجال، الشيخوخة، الذاكرة، تعقيدات الحمل، السكري والزكام. دون أن نهمل فوائد حبات الرمان التي تعتبر أكثر فاكهة تحتوي على مضادات الأكسدة التي تحمي الجسم من الالتهابات.

جلنار، بالفارسية "كلنار" ورد الرمان

الرمزية

لثمرة الرمان رمزيّة كبيرة، فهي رمز الرخاء والطموح عند الفراعنة. فيما تعرف عند الإغريق بثمرة الميّت، إذ يُعتقد أنّها نشأت من دم أدونيس. يعتبر الرمان رمزا لأرمينيا وهو يمثّل الخصوبة والوفرة والزواج. وهو أيضا أحد رموز أذربيجان حيث يقام في شهر أكتوبر من كلّ سنة مهرجان للرمان يتمّ خلاله عرض أطعمة تقوم أساسا على الرمان كمكوّن أساسيّ في المطبخ الأذربيجاني. أما بالنسبة لبلد المنشأ، إيران، أو بلاد فارس القديمة فهذه الثمرة كانت تمثّل قديما رمزا للخصوبة كما أنّها تعني اليوم الحبّ والخصوبة.

الرمان في الثقافة الشعبية التونسية

في تونس، فصل الخريف هو موسم الرمان. في الثقافة الشعبيّة للتوانسة تسبق نضوج الثمار أيّام شديدة الحرارة يتعرف فترات القيلولة فيها بـ”قوايل الرّمان” وهو أيضا عنوان لفيلم تونسيّ. حتّى أنّ شدّة الحرارة تدفع البعض للتساؤل والتذمر من الحرارة بسبب الرّمان “طابش الرّمان؟” “طُبنا باش يطيب الرّمان” أي “هلّا نضج الرمان، تعبنا -من حرارة الطقس- لِينضج الرمان”. نتناول الرّمان مرشوشا بماء الزّهر وبعض السّكر حسب الذوق، نتناوله مع الكسكسي والزيت، مع البسيسة وهي دقيق يخلط بالزيت ينتج عن طحن خليط من القمح والبقول والحشائش العطريّة بعد القيام بتحميرها على النار، مع الزّميط/الزّميطة وهي دقيق ينتج عن طحن الشعير والحشائش العطرية بعد القيام بتحميره على النار أيضا. كما يُصنع منه العصير والمربّى والدّبس الذي يُسمّى عندنا “رُبّ”.

سلطة-الكسكسي-والرمان

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نهى سعداوي

تونسيّة، متحصلة على الماجستير في اللسانيات الانجليزية. مهتمة بالترجمة ودعم المحتوى العربي. هاوية كتابة. مناصرة للقضية الفلسطينية، لقضايا العرب والمسحوقين أينما كانوا.

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..