سياسة و مجتمع

عقوق ابن نوح، حُبّ أمل دنقل

الكاتب: نهى سليمان

حيث لا يمكن للمرء أن يحب، يكون عليه أن يمرّ. -نيتشه-

عند قراءة وتدبّر معاني قصيدة “مقابلة خاصة مع ابن نوح”، يجد بعضنا نفسه أمام انقلاب بديع على السّائد، والثابت والمألوف، و تحويل خلاق للقيم من النقيض إلى النقيض. وبعضنا الآخر ربما ينقسم بين اللاموقف أو العداء لذلك الانقلاب الذى يُحدثه أمل دنقل معيدا صياغة قصة ابن نوح -الذى هو أمل ذاته- من ابن عاق لثائر وطنى.

 الحب، واحتمال غربة -تنتظره كسفينة نجاة لأجل اكتساب المال لخطوة الزواج- جعلا دنقل يصعد جبل خياله ليطلّ على السفينة من زاوية جديدة، ليراها غرقا محققا وخيانة لحبّ وطنه الذى أيقظه داخله حبّه لعبلة الرّوينى التى تقول فى كتابها ‘الجنوبي’: “فى سنة 1976، كتب أمل دنقل قصيدة “مقابلة خاصة مع ابن نوح”. أعطانى القصيدة وقال إنّها أول قصيدة أكتبها إليكِ. وكانت القصيدة تحمل رؤية سياسية واجتماعية بالأساس بل وأنا غير موجودة فيها على الإطلاق. قلت: لكنّي لست فيها. كيف؟ إنّكِ صلبها الأساس، لقد استطعتِ أن تعيدي لي الإحساس قويا وجميلا بالوطن. إن سطورها الأخيرة هي أنتِ بالتحديد”

يرقد الآن تحت بقايا المدينة

وردةً من عطن

بعد أن قال لا للسفينة

وأحبَّ الوطن

 من هنا يبدأ تساؤل مُلحّ مع شعور الكثيرين الآن من جيل يفتقد الحب ويشعر بالاغتراب، ورغبة فى الفرار إلى السّفينة وإن كان الثمن حياتهم: ماذا أو من باستطاعته إعادة حبّ الوطن داخلهم قويا جميلا، ليقولوا لا للسفينة رغم اليأس وكل الاحباطات؟ أهو الحب؟ من أين تكون البداية، والحبّ فعلٌ مُدان هنا ومُثقل بالشروط والأعباء؟

ومع كلّ تفجير إرهابى وتفنّن في قتل الأبرياء واغتيال أحلامهم باسم المقدس، يتأتّى تساؤل آخر: من العاقّ ومن الصّالح؟  أ من اختار ركوب سفينة أخروية تُبحر وسط الدماء والدموع ليحصد فاكهة خيالاته واطئا الأشلاء المتناثرة، محققا ملحمته الوهمية، أمْ من اختار التّعايش في سلام  بالمتاح محاولا تحسينه أو مكتفيا به؟

إن قصيدة دنقل هذه تجمع تلابيب إشكالية الحبّ فى هذا الوطن وحبّ الوطن ذاته بقوة وجرأة. تقول عبلة الرويني في ‘الجنوبي’: “إنّ قصيدة “مقابلة خاصة مع ابن نوح” لا تشكل خروجا فقط على الموروث الدينى السائد، بل تشكّل تعديلا وتثويرا لطبيعته. حيث يطل ابن نوح فيها متمردا عصريا، خارجا من فكرة العقوق السّلفي إلى الثورة “.

وعندما يشتعل الصراع، نكون فى أمس الحاجة إلى أن نصير ابن نوح أمل دنقل. ليس كموقف عاطفي خالص بل كحتمية مواجهة النور للظلام، و التعايش في مواجهة الإقصاء، وتقديس حياة الإنسان فى مواجهة ثقافة الموت، وحرية الفكر والعقيدة فى مواجهة الدوجماطيقية، والحب النابض فى مواجهة برود احتمالية عرائس السماء. ليصير عقوق ابن نوح حبّ الوطن عند أمل دنقل وتصير توبته النصوح، حبّه لعبلة الرويني.

ولنا المجد – نحن الذين وقفنا

(وقد طمس الله أسماءنا)

نتحدّى الدّمار..

ونأوي إلى جبل لا يموت

(يسمّونه الشعب)

نأبى الفرار..

ونأبى النزوح.

القصيدة مغنّاة، بصوت أدهم سليمان

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نهى سليمان

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..