سياسة و مجتمع

يوم اكتشفت غباء الحكام العرب

الكاتب: علي سام

ليس لديّ أدنى شك بأن العمل السياسي الذي مارسته في بريطانيا كان سيقود إلى إعدامي في عراق صدام حسين لكنني على الجانب الآخر مدرك تماما إنّ ما قمت به ليس ذا أهمية ولا يجعلني سياسيا. بدأت عملي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الامريكية مدفوعا بوحي صورة لم أستطع أن اخرجها من عقلي وهي إنّ أمريكا ما كانت لتقصف واشنطن لو إنها عرفت إنّ بن لادن كان متخفيا فيها ولا بريطانيا كانت ستقصف لندن لو إن عصابة إرهابية كانت تعيش فيها-لماذا تُقصف أفغانستان إذن وما هو ذنب الأفغاني الذي لم يكن يملك حتى جهاز تلفزيون ليرى أحداث سبتمبر؟ انضممت الى مجموعة من الإنكليز وبدأنا بتنظيم المظاهرات والوقوف في الشوارع وتوزيع المنشورات والذهاب إلى أعضاء البرلمان المحليين لنطالبهم بالتصويت ضد الحرب على أفغانستان ومن بعدها الحرب على العراق.

كان لدي حضور مميز منذ البداية وفسرته سريعا بأنه ناتج عن كوني عراقيّا عايش الحرب وعرف ضحاياها. هذا التميز جعلني متحدثا باسم المجموعة مع الإذاعة والصحف المحلية وحصلت على عشرين ثانية مع البي بي سي العالمية قلت فيها جملة واحدة. هذا الدور لا يجعلني سياسيا في مفهومي بل أنا كنت متظاهرا كالمتظاهرين الذين لا تهتم الدول لما يقولونه. والأساسي في وجودهم هو أعدادهم. مليون شخص غير معروف أهمّ من مائة. في كل الأعمال التي قمت بها لم أكن خارجا أبدا على القانون البريطاني ولا كانت لديّ أدنى رغبة بكسر النظام أو التجاوز على من أحدّثهم. أنا كنت فردا يستغل حريته في نظام ديمقراطي يسمح للبشر بالتعبير عن اعتراضهم ولهذا كانت دهشتي كبيرة حين سمعت من أحد الباحثين العلميين في الجامعة التي كنت أعمل فيها إنه يعلم علم اليقين إن المخابرات البريطانية تملك ملفا أمنيا عني وسألته باستغراب عن حاجتهم لمتابعة نكرة سياسية مثلي!

في اليوم الذي أعلن فيه التحالف عن بداية الحرب على العراق كنت في الجامعة فجاء إليّ مجموعة من الشباب وقالوا أنّهم سيخرجون في مظاهرة غير رسمية من الجامعة إلى مركز المدينة، وخرجت في ساعتها معهم. للتوضيح فالمظاهرة الرسمية هي مظاهرة يتفق فيها المنظمون مع الشرطة قبل أيام، لكنني قررت الخروج لأن الطريق من الجامعة إلى مركز المدينة طريق يتوفّر فيه رصيف للمشاة ونحن لم نكن نريد قطع السير أو مضايقة الآخرين. والمسيرة لا تستمرّ سوى نصف ساعة، قرّرنا أن نقف بعدها وقفة احتجاجية قرب بلدية المدينة. بعد خروجنا بعشرة دقائق، أحاطنا رجال الشرطة واستغربت لأنهم كانوا يحملون كاميرات ويصوروننا وهم يتحدوننا بشكل واضح وكأننا أجرمنا. وحين سألت الشرطة عن سبب تصويرنا قالوا “أنتم خارجون على القانون.”

في الدقائق التي قضيناها في الوصول إلى مركز المدينة، كنت أفكّر بغباء الحكام العرب لأنهم كانوا يمنعوننا من الكلام فلا نشعر إن لدينا حرية، في حين إن النظام الإنكليزي يسمح لنا بالكلام ما أردنا. ولا أحد يسجنك إن سكرت وتطاولت على الملكة في حانة، لكنّ النظام ليس متسامحا أبدا في قوانينه. وسيسجنك إن قلت إنك لا تريد أن تدفع أربعين في المائة من دخلك ضريبة أو إنك لا تريد أن تذهب ضريبة دخلك غير الطوعية الى حرب لا تؤيّدها. حريتك الحقيقية هي حرية كلام واختيار ثياب لكنها ليست حرية تغيير أو رفض حقيقي ولا هي حرية تمثيل صادقة لأنك لن تجد من يمثل أفكارك على شاشات التلفاز فأمثالك راديكاليون وثوريون والنظام لا يقوم بوجود الراديكالية.

انتهت دقائقنا مع كاميرات الشرطة حين وصلنا إلى مركز المدينة. وهناك وجدنا سيّارات شحن تنتظرنا لندخل إليها في طريقنا إلى الحبس بانتظار التحقيق. وبالفعل سجنوا نصفنا لأننا أجرمنا حين اعترضنا بالتظاهر غير الرّسمي على جريمة الحرب الرسمية. من يومها وأنا متأكد إن الأنظمة التي تسمح بالاعتراض والكلام أذكى بكثير من تلك التي تحبس البشر بسبب التعبير عن رأيهم.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

علي سام

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..