سياسة و مجتمع

الدّكتاتوريّة حلّا

الكاتب: راسم علي

لماذا تثور شعوبنا ولا تستطيع حكم نفسها ؟من سيأتي فيحكمنا ؟ هذه الأسئلة تجول ببال الكثير منّا بعد أن تحوّل الرّبيع شتاء في عالمنا العربي رغم أّن هذا التّحول لم يكن بفعل من نزلوا إلى السّاحات بل بفعل أرباب المصالح. ولكن يُهمل هذا التّفصيل ليتحوّل الأمر إلى “إن هم لم يثوروا لاستمرت العدالة في كنف الظّلم ولكان الوضع ساكنا الآن هذا ما يظنه البعض؟” رغم أنّ الثّورة فعل يأتي ردّا على المظالم وبالتالي سبب النقمات التي نحن فيها ظلم الأنظمة لا تمرّد الشعوب، فإنّنا سنتتبّع بعض الفرضيات المناقضة.

الدّكتاتور “العادل”:

فلنقل أنّ هناك دكتاتورا عادلا كامل الأوصاف جاء ليحكم شعبه، وبغضّ النّظر عن أنّ هذا صعب التحقيق بل ويكاد يكون مستحيلا نظرا لطبيعة الدكتاتورية التي تجعل الفرد الحاكم في قلب توازنات تستوجب منه أن يعطي تارة ثم يقمع تارة وأن يقسم الجماهير إلى شيع فلا تغلبه على أمره. وصل دكتاتورنا العزير لتظل مشكلة خلافته قائمة فمن يخلفه في الحكم وهل سيكون هو أيضا عادلا؟

ولمّا كان طبيعيا أن يكون هنالك توازن قائم يسمح له بالحكم فإنّه بذهابه يذهب التوازن ويبدأ الصراع. ومن ثمّ تأتي مرحلة ترضية الأطراف. وجولة بعد جولة تنكمش الحقوق الممنوحة للشعب من الحاكم لأنّه يحتاج إلى موارد تضمن ترضية من هم حوله وقمع البعض الآخر. في النهاية، يبدو منقطيا أنّ ثمن تغيير هذا الدكتاتور سيكون الى أضأل من حجم الضّرر الذي يحدثه نظامه. ثمّ إنه لا وجود لضمانات بأن يشمل السلم عمليّة الانتقال. فلربما ترى الأطراف المتصارعة غير ذلك. ولربما يأتي النفوذ الاجنبي لا محالة نتيجة لسياسة التوازنات لإرساء النّظام ويشعل حربا بالوكالة من أجل ضمان أنّ من سيملأ الكرسيّ سيكون محافظا على مصالحها أو موسّعا لها. نرى من هنا إذن أنّه حتّى بفرض عدالة الدكتاتور فإنّ الأمر منتهٍ إلى عدم تحقق المصلحة حتميا ومن ثمّ سيلان الدماء غالبا. وبعد أن تسيل الدّماء، هل نعيد الكرة مع رمز آخر؟

شعوب لا تستطيع حكم نفسها:

بغضّ النّظر عن أنّ هذا الافتراض عمليا عنصري بعض الشيء إذ يفترض أنّ هنالك أمم أو أنواعا بشرية قادرة على الحكم الذاتي وأخرى لا تستطيع. ولكن ما هو المعيار للحكم الذاتي، هل هو التّعليم أم الثقافة أم أنّه شيء فطري؟ رغم أنه لا يصحّ عموما اعتماد هذه المعايير لأنّ الجماعات البشرية تتحرّك بمعزل عن التعليم مثلا. وتجارب علماء الاجتماع تثبت ذلك، بل وتوجد مؤلّفات كاملة عن العقل الجمعي مثل كتاب “سايكولجيا الجماهير”. وفيه تجربة حول عمل هيئات المحلفين وهل تختلف الأحكام باختلاف تعليم الأشخاص وقد خلصت لثبات الأحكام. توجد أيضا تجارب أخرى مماثلة يقوم بها علماء السّوسيولوجيا. وفي حال فرضنا جدلا بأنّ هذا الشعب أو ذاك عاجز عن حكم نفسه (ونبني فرضيّتنا استنادا لما يأتيه الشعب لا على خلفية الهيمنة الإعلامية والتضليل ومنع الوصول للمعلومة.) فإنّ الحاكم أيّا كان معنيّ باستمرار حكمه وبالتالي لن يسهم في تأهيل شعبه ليصبح قادرا على حكم نفسه. وبفرض إرادته فإنّ التوازنات التي تضعه في مكانه ستعمل ضده بشكل كبير، ولربّما لن يأمن على نفسه لأنّه مع حكم الشعب تأتي المحاسبة.

لنفترض أنّ شعبا عديم القدرة على حكم نفسه ذاتيا قام بثورة اليوم ثمّ أخطأ في اختياراته. مع إرساء قواعد الديموقراطية حتّى وإن كانت مجرّد طغيان للأغلبية، فإنّه مع عدم تحقق مصالحه سيلجأ للتغيير والمراجعة. وهكذا دورة بعد دورة سيكتسب الشعب القدرة على حكم ذاته أو بالأحرى ستتحسّن نظرته للأمور. فمن لم يأتِ بالرّخاء يرحل، حتّى يأتي من يعطي الشّعب حقوقه وبحقّق رؤاه. يبقى أنّه في حال كان الانتقال في كلّ مرّة من دكتاتور لآخر فمن أين سيتعلّم الجمهور وماذا سيكون ثمن التغيير؟ في الحالة الأولى سيكون الثمن دورة انتخابية ضائعة، لكن في الحالة الثّانية قد يصل إلى حرب أهليّة. ولنا في التاريخ عبرة!

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

راسم علي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..