سياسة و مجتمع

نحن شعوب تمتلك طاقة وروحا، لكن..

الكاتب: علي سام

ليس لدي فهم كافٍ لشخصيّتي يسمح لي أن أكون واعيا بكلّ دوافعي وسبب انبهاري بالفنّ التشكيلي أكثر من سباقات الدراجات الهوائية، لكنّني أعرف نفسي من متابعتها كما تعرف الأمّ المُحبّة طفلها. أعرف إنّني شغوف منذ طفولتي بجمع الأحداث والمعطيات التي أراها أمامي واستنباط تفسير يجمعها، وربّما هذا هو السّبب الأساسي في شغفي بالعلم لأنّ العلم يجمع الأدلة ويحاول وضعها في نصاب نظرية. محاولة الفهم هذه هي دافعي للكتابة والحوار مع الناس. فأنا أريد أن أفهم لأجد طريقة تخرجنا كشعوب إلى برّ السّلام. حتّى وإن رفض الجميع تلك الطريقة، المهمّ هو أن أعرف أنا وهذا هو دوري أمّا اقتناعك فتلك أمنية.

هناك أشياء كثيرة تدهشني. تدهشني الرّسائل التي استلمها من صديقات وأصدقاء شباب في مصر، تلك الرّسائل التي تخبرني إنّ حلم جيل الشّباب هو ركوب الأمواج والبحار إلى الغرب إن لم يكن من أجلهم فمن أجل أطفالهم. وأحتار وأنا أفكّر إنّ السّوري يهرب من الحرب لكن ممّا يريد المصريّ أن يهرب؟ لكن إجابة الشّباب واضحة كالشّمس:”نريد أن نهرب من الفساد والوساطة في العمل وزيف النظام الّتعليمي وانعدام فرص الحياة الحقيقية”! يدهشني إصرار الطّبقة المتعلّمة من شعوبنا على احتقار إمكانية التّحاور مع البشر، ووصفهم بالجهل ساعة وبالمخدوعين ساعة أخرى ومن ثمّ الاعتكاف المقدّس في صومعة النّاسك الحاقد على حظّه العاثر الذي جعله يولد بين بشر لا يستطيعون تقدير عظمته.

تدهشني رغبة الجميع بالتّفاعل مع أحداث السّاعة وكلّ دقيقة وحاجتهم العجيبة لأن يكتبوا تصريحا عن رأيهم بروسيا وأمريكا والسّعودية وتركيا وإيران وأن يعقّبوا على ما يقوله سياسيّ في طهران وآخر في إسطنبول، ومن ثمّ الخوض في صراعات طويلة بين من يناصر هذا ومن يناصر ذاك. يدهشني انعدام رغبتنا في العودة ولو إلى أحداث السّنة الماضية، لنسأل أنفسنا عن تلك الفكرة التي تعصّبنا لها وعن تغّير الواقع السّريع وعن فائدة ما قلنا وما كتبنا ومدى اتّفاقنا مع ما قلنا في ماضينا القريب. يدهشني السّم الذي نضعه بين حروفنا لنخدش بعضنا بكلمة طائفية أو تحقير لطقوس، أو ذلك الصّراع المبكي بين من يؤمن بربّ ومن لا يؤمن، بين الملحد الذي يتصوّر أنّه أصبح عالما لأنّه اتفق مع نظرية التطور والمؤمن الذي لا يجد ما يكفي من الربّانية ليفرح بمن لا يشاركه ذات العقيدة. كلّ هذه الدّهشة وأكثر منها، أشياء كثيرة تدور في بيوت الأرامل والعوانس واليتامى والجنود الهاربين، ليست سوى معطيات تطالبنا جميعا بأن نجلس ونسأل “كيف نضع كلّ هذا سويّة من أجل الخروج بنظريّة؟”.

شخصيّا وصلت إلى نظريّة أتشاركها معكم كخلاصة لرؤيتي الشّخصية. نحن شعوب تمتلك طاقة كبيرة وروحا جميلة لا تختلف عن طاقات أعظم شعوب الأرض من مضى منها ومن سيأتي، لكنّنا نعيش دون هدف. والطّاقة دون هدف تقود إلى عبث. وهذا ما لدينا اليوم: “عبث”. لا حكوماتنا تمتلك أهدافا واضحة أبعد من القضاء على من يعارض والتّمسك بأكبر قدر ممكن من السّلطة، ولا شبابنا يملك هدفا واضحا. وكلّ من يعيش دون هدف وسط آخرين بلا هدف سيعيش في فوضى. أنا هدفي السّلام ومستعدّ أن أحارب من أجل هدفي حتّى آخر رمق وآخر نفس، لكنّني أبدا لن أرفع سيفا من أجل السّلام لأنّ ذلك في قناعتي عبث.

الأشياء العظيمة كالسلام وإصلاح الدّول وأرضها ومائها لا تتحقّق بوجود شخص أو عشرة. لابدّ لهذه الأهداف أن تكون مشتركة بين جماعات لتكبر، وتستثمر طاقة الشّباب ورقصهم ومعرفة الشيوخ وحكمتهم، لكنّنا نعيش اليوم في حالة عجيبة. وأصبحنا الشعوب الوحيدة التي تطالب بتقليص مساحة بلادها. وهو العكس تماما ممّا حصل مع كلّ الامبراطوريات التي كانت تسعى إلى التوسع لتزدهر غاشمة كانت أم حكيمة. وهذا الانكماش على أفكارنا وحدودنا، وأمنياتنا أن تساعدنا الدّول العظمى، وتقصف جارنا هنا وهناك هو هدف هذا العبث الذي نروّج له بالطائفية وسيقودنا من حرب إلى حرب دون توقف.

ماذا سنقول وماذا سنفعل وماذا سنكتب لو كان السّلام والحب والرّفاهية هي الهدف؟ ماذا لو كان تقبّل غيري بكلّ أفكاره هو الهدف؟ ماذا لو كان الهدف ألّا تطلق رصاصة أخرى في العراق وسورية؟ ماذا لو كان الهدف هو القضاء على روح التعصّب وليس القضاء على المتعصّبين؟ ماذا حينها؟ سأردّد كلمات صديقي الرّائع عماد عبد اللطيف سالم:”ليس لنا سوانا! ليس لنا سوانا!”.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

علي سام

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..