مراجعات

عصر الحب .. “كان علينا أن نضلّ طويلا قبل أن نهتدي إلى أنفسنا”

عصر-الحب-نجيب-محفوظ
الكاتب: علي محمد

عنوان الرواية : عصر الحب

تأليف : نجيب محفوظ

عدد الصفحات : 178

ليس شرطا أن يكون الجزاء من جنس العمل. السّت “عين” وهي امرأة قويّة عجيبة الأطوار، مثيرة الأوصاف، كائن فريد لا يتكرّر، كما يصفها الرواي ويعتبرها أهل الحارة من أولياء الله الصّالحين تتساءل “لماذا لا يكون الجزاء من جنس العمل؟”، بعد أن قرّر فتاها المدلّل “عزّت” التمرد على القواعد التي رسمتها له. بعد أن اختارت له من يحبّ ومن يتزوج -“سيدة”- وأجبرته على التخلي عن حبّه الوحيد “بدرية”. الست عين كانت تعتقد أنّها بذلك تحمي ابنها الوحيد. لم تكن تعرف أنّه بهذا القرار سينقلب الحال وتسوء الأمور. تتساءل “السّتّ عين” كيف تزرع الورد وتجني الجراح.

الرّحمة أولى بمن لا نحبّ أو بأولئك الذين أحبّونا ولم نحبّهم كما يجب – من الرواية

هذه الجملة جاءت على لسان “الست عين” ردّا علي ابنها الذي يجد مبرّرا للقسوة على زوجته بأنّه لا يُحبّها. ربّما كانت الحقيقة أصعب من ذلك، كان “عزت” يرى في زوجته مكمن المآسي والآلام التي أحاطت به بعد أن تزوّجها، فضلا عن هروب حبيبته الوحيدة مع أعزّ أصدقائه. لا مكان للصفح أو الرّحمة مع أولئك الذين كانوا سببا في تعاستنا ولكن، هل من ذنب اقترفته “سيدة”؟

كان علينا أن  نضلّ طويلا قبل أن نهتدي إلى أنفسنا – من الرواية

أليس هذا ما يحدث مع الأغلبية؟ يأخذنا تيّار الحياة إلى دوّامات ومسالك لم نتخيّلها من قبل. ونظلّ نتخبّط في طُرق لا نريدها ولا نختارها. هذا ما جناه “عزت” في حكايته مع “الست عين”. فبعد أن ضاق بحياته مع “سيدة”، وبعد هروب حبيبته، قرّر مغادرة منزل “الست عين” بل الحارة بأكملها. يضعه القدر في طريق صديقه “حمدون” وحبيبتة “بدرية”، وتتوالي عليه المصائب. لم ينسى ما حدث له في الماضي، لم ينسى حبه القديم. فيرشد على صديقه في جريمة قتل ليتخلص منه. يقول عزّت: “لا يمكن أن نسيطر على خطة كاملة لأنّ غيرنا يشاركنا دون أن ندري في تأليفها.”. فبعد أن سُجن حمدون، صارح عزت بدريّة بما حدث، مبرّرا ذلك بأنّه مازال يحبّها، لتصارحه بأنّها لا تحبّ إلّا حمدون ولا يمكن أن يحنّ قلبها لأحد غيره.

تمضي السنين وتنهال النّكبات على عزّت حتى تأتي اللّحظة الفارقة التي يمرض فيها عزّت ويجد نفسه بين خيارين، إمّا الهجرة بعيدا عن الست عين أو العودة مرّة أخرى إلى المرأة التي لم تنقطع عن فعل الخير. يختار الأخير، ليجد صدمة أخرى في انتظاره.  فالست عين قد فقدت السمع والبصر ولا تكاد تميّزه. ياله من عقاب قاسٍ! وكأّنه لزام علينا العقاب قبل الهداية.

في النهاية، يذكر لنا الرواي أنّ منزل الست عين قد تحوّل إلى مستشفى “إنّ الست عين لم تمت، رغم أنّ الذين عاصروا وفاتها لم يعرفوها أو كذلك كانت أغلبيتهم. ما عرفوا إلّا ما يتناقله الرواة، ولكن الست عين لم تمت. وحتى اليوم، يطلق الناس على المستشفى الذي قام مكان دارها (مستشفى الست عين). فرغم ما حدث، لم تفارق سيرة الست عين العطرة الألسنة وبقيت يذكرها الناس بالخير والحبّ.

في عصر الحب ، الجميع كان يبحث عن الحبّ ولكن “الست عين” وحدها من تمسّكت به إلى النّهاية.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

علي محمد

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..