ترجمة

لماذا نحتاج الكوميديا؟ -1- الكوميديا علاج للإحباط

the-office-season-2-david-dance

على الرّغم من أنّ أغلبنا يحبّ الكوميديا للغاية، من الغرابة بمكان أن نسأل سؤالًا أوّليًا عن الغرض منها. سؤال مثل “ما الغرض من الكوميديا ؟” يبدو كرصاصة موجّهة لحسّ الفكاهة، لكنّ السؤال على الرغم من هذا، يفتح لنا بابًا واسعًا لمعرفة كيف يمكن للضحك أن يحسّن من أحوالنا.

نحن نشعر، بالحدس، أنّ الكوميديا تساعدنا على التّغلب على بؤس العيش. تستطيع أن تلتقط هذا المعنى -المفاجئ للوهلة الأولى- حين نجد أنّنا لا نضحك إلّا على الأشياء التي تسبّب لنا مشاكل خطيرة في مواقف أخرى من حيواتنا. نجد هذا في أصناف النِكات الشهيرة: نكات العلاقات، العائلة، الجنس، المال، العجز الجنسي، الأصوات النّاتجة عن حركة الأمعاء، … إلخ. نضحك بشدة لأمور -في سياقات أخرى- تسبّب الكثر من الألم. لذا فالطرفة الجيدة دائمًا ما يكون لها علاقة بالسوداوية، القلق والألم.

مسلسل-المكتب-كوميديا

“ديفيد برنت” يجعل من نفسه أضحوكة في مسلسل “المكتب” The office- Season 2

شاهد رقصة ديفيد برنت

تمنحنا الكوميديا فرصة للحصول على أوقات مبهجة في أجواء لولاها لكانت كارثية. في عالم يوتوبي، لم يكن للكوميديا وأثرها العلاجي أن تُترك للصدفة، لكن سيتمّ ضبطها وتوقيتها لتواجه المواقف العصيبة التي تطرأ. سابقًا، أقامت بعض البلدان، بالفعل، مواسم كرنفالية لتشجيع الأعمال الهزلية. يمكن للضعيف فيها أن يتغلّب على القوي، يمكن للقساوسة والراهبات القيام بممارسة طقوس فاحشة في كنائسهم. كان الجادّون من المواطنين يُدفعون للسُكْر وإلقاء أجولة الدقيق على رؤوس الآخرين. لم تكن الفكاهة حكرًا على أولئك الذين يحسنونها. كانت نوعًا من الواجب الذي لا بدّ من القيام به.

على حد السواء، كان مهرج البلاط، وهو شخص محترف يُسمح له بممارسة هزلياته بمقابل، يحتل موقعًا هامًا بسبب قدرة الفكاهة على تحسين مزاج أصحاب السّلطة. سواء كانت هزلياته تتم في غرف الاجتماع الكبرى أو غرف تناول الطعام، كان أصحاب الصدارة في المجتمع لا يشعرون بسخافة في الأمر. كان المهرج يطالَب بتحسين الأجواء الشائكة بخفة دم وسرعة بديهة، وأحيانًا بنوع من الازدراء والسخرية.

الكوميديا هامة جدًا، يجب إدخالها عنوةً في مخطّطات وهياكل المؤسسات. لا تقل أهميتها عن فحص الأسنان أو إنشاء الحسابات المصرفية. ربّما يمكننا أن نختصر ما تمنحه لنا الكوميديا كعلاج في ست نقاط أساسية:

  1. الكوميديا كعلاج للإحباط

كثير من مشاكلنا الوجودية بلا حلّ، نعاني منها ثمّ نموت. العمل مضنٍ، لكننا لا نستطيع الخلاص منه. العلاقات العاطفية تذبل بعد فترات وجيزة. واحدة من طرق الفن للمواجهة هنا هي تقبّل البؤس، أن تكشف عنه باعتزاز وتدفع المستمعين للشعور بشفقة أكبر نحو النفس والغير. هذا ما فعله “دييغو فيلاثكيث” في لوحته: “المسيح مصلوبًا”

Crucifixion-1632

لوحة “المسيح مصلوبا” لدييغو فيلاثكيث، 1632

في المقابل، السلوك الهزلي لا ينكر المأساة، لكنه يرتبط بها بطريقة أخرى.

مونتي-بايثون-حياة-برايان-1979

مونتي بايثون: حياة برايان 1979

الكوميديا السوداء متشبّعة بشعور التحدي. فيها، يضحك المرء على بؤس الوجود بدلًا من التلوي في مواجهته. في فيلم “حياة برايان”، تصف أغنية الختام كل الأشياء القبيحة في الوجود: “ليست الحياة إلا قطعة من الخراء حين تتأملها“. وعلى خلاف التراجيديا التي تجعلنا ندرك حقيقة شعورنا بالأسى، الجو هنا ساخر. هناك رفض تام لشعور المظلومية:

انظر دائمًا للجانب المشرق من الحياة..  زّم شفتيك وأطلق صفيرا“.

شاهد الأغنية من فيلم حياة برايان

سنة 1940، حين كانت بريطانيا في موقف عسكري غير مستقر بسبب أجواء إخلاء “دانكِرك” وقنابل الغارات الليلية، ظهرت أغنية تسخر من زعماء النازية وصارت تتداولها الألسن في وقت وجيز:

“هتلر يملك كرة واحدة.

جورنج يملك كرتين، لكنهما صغيرتان.

هملر يملك شيئًا شبيهًا.

لكن البائس جوبلز ليس له كرات علي الإطلاق.”

(المفارقة في كلمة “ball” التي يُقصَد بها “كرة” أو “خصية”، وعبارة: has no balls والتي تعني أيضا أن الشخص مخنث أو جبان.)

جورينج-خصيتان-صغيرتان-للغاية

جورينج، خصيتان صغيرتان للغاية

أغنية هتلر لديه خصية واحدة/Hitler Has Only Got One Ball

السخرية الهزلية هنا لا تعتمد على كونها تُصدَّق حرفيّا. كان العدو الذي يواجهه الشعب البريطاني مخيفا للغاية. الغرض من السخرية هنا هو ببساطة أن تُبقِي على شعور بالتحدي في مواجهة خصم مرعب كالنازي.

الكوميديا السوداء مبنية على افتراض أننا نيأس سريعًا، لذا تبدو الأمور أسوأ مما هي عليه في الواقع. قد تكون الأمور سيئة حقًا لكننا نتعامل معها ككارثة حقيقية. لذا نفقد كل أمل لدينا ونقلع عن أي محاولة لإصلاح ما يمكن إصلاحه. بسخريتها من الأمور السيئة، تمنحنا الفكاهة نوعًا من الجرأة، تغلّف -بالأمل- كل ما هو مخيف أو سخيف للغاية.

-يتبع-

رابط المقال الأصلي

الكاتب: آلان دو بوتون. فيلسوف، كاتب ومقدم برامج بريطاني.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

محمد عبد الله زيدان

باحث ومدرّس مساعد بهندسة القاهرة. مصر

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..