مراجعات

أزهار عباد الشمس العمياء .. بأيّ إبداع عميق خلق الله الألم !

أزهار-عباد-الشمس-العمياء
الكاتب: ياسر غريب

الرواية: أزهار عباد الشمس العمياء
تأليف: ألبرتو مينديس
سلسلة إبداعات عالمية ، ترجمة : عبد اللطيف البازي
عدد الصفحات : 175 صفحة.

يا إخوتي : منذ الآن
فليتعرّف الطّفل والرّجل
والمرأة والشّيخ
على طهارتكم وقوّتكم
وعلى تاريخكم الجليل
ولتصلوا إلى كلّ الكائنات التي تفتقد الأمل
ولتصعدوا إلى مدارج العبيد التي لا تعرف الإنسانية
ولتكتب اسمكم وكفاحكم المرير
جميع النجوم

ــ بابلوا نيرودا، إسبانيا في القلب

من بين كلّ التّجارب الإنسانية تبقى الحرب الأشدَّ إيلاما وتأثيرا لما تتركه في القلب والذّاكرة من ندوب لا تُمحى مهما تقادم الزّمن وحاول بجهد حثيث طمس معالمها ومحو آثارها -التي وإن طمست على الأرض، فأبدا لن تُطمَس في ذاكرة من عاشوها وذاقوا أهوالها وفواجعها.

هي الحرب! الحرب التي كانت ولا زالت قادرة على كشف زيف الإنسانية وأصولها الوحشيّة، أو هي التي تمكّنك من إعلان انتصارك لأنّ عدوّك يدفِن عددا أكبر من الأموات، على حدّ تعبير السيد “مينديس ” طيب الله ثراه .

أربع هزائم من الحرب الأهلية الإسبانية، الحرب التي توارت خلف ذاكرة القرن العشرين، خلف حربين عالميّتين، حرب قصيرة في مقياس التاريخ، طويلة في مقياس ما سببته من ألم.

الهزيمة الأولى: من دون أموات لن يكون هناك مجد.

جندي من جيش فرانكو يستسلم لجيش المدافعين عن الجمهورية. ليس في الأمر غرابة، لو أخذنا في الإعتبار أنّها حرب بين جبهتين يُوظِّف الميّت فيها مهما كانت جبهته في تمجيد من يقوم بالقتل، لكن أن يتمّ الحكم عليك بالإعدام بتهمة الخيانة وتنجو.  فتقبع في السّجن في انتظار هلاك جديد، أنت تعرف أنّه قادم لكن لا تعرف متى؟ هذا هو عين العذاب الذي لا يمكن احتماله!

الهزيمة الثانية: ستزهر في بؤبوة عيني أزهار ستزعج من فضّلوا موت الشِّعر.

ملعونة هي الحرب التي تقتل حتّى بلا رصاصات أو قنابل. تقتل الهاربين منها لشدّة خوفهم. لا يريدون أن يعلن الفاشي انتصاره فوق جثثهم. لنَمُت هاربين خير لنا من الموت على يد ثلّة من الجنرالات الجبناء. لنقتل أنفسنا أو ننتظر ليأتينا الموت وهو في كلّ الأحوال لا يتأخّر. ولأنّ موتنا هو نهاية كلّ شيء، فسنلجأ لتدوين ما حدث لشاعر وزوجته هربا من جحيم فرانكو للموت وسط الثلوج. شاعر مراهق ذاق ألما لا يستطيعه رجال في الخمسين.

الهزيمة الثالثة: الصّمت فضاء. فجوة نلجأ إليها وإن كانت لا تضمن لنا الأمان. الصمت لا ينتهي، ينقطع، سمته الأساس هي الهشاشة.

كان على “خوان صينرا” أن يكذب. لقد مكّنه الكذب من البقاء في الدّهليز الثّاني وعدم النّطق بحكم الإعدام عليه. كذب، وكانت لكذبته وجهها الأخلاقي بامتياز. ليس لحرصٍ على الحياة ولكن رغبة منه في الاطمئنان على رفقة السّجن قبل أن يحين الوقت للمغادرة، قبل أن يرغب في الاعتراف بكذبته.

لقد كان للموت مواقيت وهذه كانت ساعة غير مناسبة.

الهزيمة الرابعة: الاشتهاء مثل النمور التي تعيش بداخل الإنسان، مثل الأفيون الذي يعرف، بكلّ براعة، أن يحرّك جميع الأحجار، أن يرجّ إسمنت الروح.

لنصوص الاعتراف سَمْتُها المميِّز والمؤثِّر، عندما ينطق راهب بخطاياه مجترّا آلامه والآلام التي تسبَّب فيها لمن كانوا مختفين في دواليب في الحائط، لمن يتكوّرون في مساحة لا تزيد عن المتر كلّما دقّ الباب فجأة أو جاء زائر على موعد. هؤلاء الذين يتسربلون في ثياب القداسة ويرتدون مسوح الكهنة، يرفعون أيديهم لمباركة الجنرال وتحيّته ثمّ يخفضونها على أجساد الضّعفاء من النساء في استباحة لحرمة الجسد.

أزهار عباد الشمس العمياء،  ليُطرح سؤال لا قِبَل لأحدٍ بجواب عليه: “بأيّ إبداع عميق خلق الله الألم؟!”

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

ياسر غريب

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..