تاريخ

ماذا نعرف عن النكبة؟ المعارك العربية-الصهيونية 1947-1948 (7)

مقاتلون-عرب-عام-1948
الكاتب: خالد جمعه

معركة اللد والرملة:

إنّ وجود مطار عسكريّ صغير وآخر مدني ومحطة الهاتف الرئيسة في فلسطين في مدينتي اللدّ والرّملة إضافة إلى بعدهما 15كم عن تل أبيب عند ملتقى خطوط المواصلات، جعل من هاتين المدينتين هدفا مغريا للصهاينة. وضع الصهاينة خطة للاستيلاء على المدينتين في وقت مبكر، فيما أدرك سكان المدينتين الخطر المحدق بهم فبدأوا بتحصين الدفاعات بالتعاون مع قوات جيش الجهاد المقدس بقيادة الشيخ حسن سلامة. قامت اللجنة القومية بإشراف الشيخ حسين أبو السعود بمساع لتنظيم وتوحيد جهود الدفاع والتسلح، فيما انضم لحامية المدينتين من شرق الأردن، وأصدرت اللجنة العسكرية في دمشق في 16/2/1948 أمرا إلى سرية من جيش الإنقاذ بالتوجه إلى اللد والرملة مع فصيل من المتطوعين المصريين.

نشبت عدة اشتباكات بين الصهاينة ومناضلي المدينتين بعد صدور قرار التقسيم، انتصر العرب فيها، كما أسقطوا طائرة واستولوا على المطار ومحطة السكة الحديد ومخزن للوقود ومعسكر بيت نبالا. ظل الأمر على حالة حتى إعلان الهدنة الأولى، ويوم 18/6/1948 وفي أثناء الهدنة، تحركت سرية مشاة أردنية إلى اللد والرملة لمساعدة الحكم العسكري الأردني في إدارة المدينتين. بعد استئناف القتال في 9/7/1948، سعت إسرائيل إلى احتلال اللدّ والرّملة، لفتح طريق القدس بالقوة، وأعطوا لهذه الخطة الأسبقية، وقد أطلق على الخطة رمز “داني” وخصص لها نخبة من الجيش الإسرائيلي هي “البالماخ”. بدأ الهجوم يوم 9/7/1948، ودخل الإسرائيليون قرية عنابة يوم 10/7 ثم قرية جمزو وقد احتلّ المهاجمون مطار اللد، وهكذا تمّ تطوير المدينتين وعزلهما، وتعرّضت المدينتان لقصف جوي ثقيل وُجّه إلى مركز شرطة الرملة بشكل خاص، وقصف مدفعي للأحياء الآهلة بالسكان، وألقت الطائرات يوم 11/7 منشورات تدعو الأهالي للتسليم وطلبت منهم إرسال وفد عنهم للقيادة الإسرائيلية.

 جسر جوار الرملة أو جسر جندس شمال اللد

جسر جوار الرملة أو جسر جندس شمال اللد

شنّ الإسرائيليون هجوما قويا على اللد أوّلا، لكنّ مجاهدي المدينة صدّوا الهجوم وخسر الإسرائيليون 60 قتيلا، ثمّ عاود الإسرائيليون هجومهم ودخلوا المدينة واحتلوها وهم يطلقون النار في شوارعها فسقط عدد كبير من الشهداء. في 11/7، استطاعت قوة من الجيش الأردني طرد الإسرائيليين من قرية جمزو وقتلوا 10 من أفرادها لكن الإسرائيليين عادوا إلى القرية بعد انسحاب الأردنيين منها. تمكّن الصهاينة من احتلال اللد بعد أن قتلوا 426 مواطنا منهم 176 في مذبحة في مسجد المدينة. أحكم الإسرائيليون الطوق على الرملة وحشدوا مزيدا من القوات وزادوا من قصفهم الجوي والمدفعي لها، فذهب وفد من أهالي المدينة ليعرض التسليم للإسرائيليين بعد انسحاب السرية الأردنية، واستمرت المفاوضات في مستعمرة النعاني من 11/7 على 12/7. تمّ الاتّفاق على تسليم المدينة بشروط مكتوبة منها عدم التعرض للأهالي وعدم المساس بالأملاك. في 13 تموز، طلب الإسرائيليون من السكان إخلاء الرملة فرفضوا، لكن العدوّ لم يلتزم بالاتّفاق ووضع السكان في شاحنات ونقلهم إلى جهة الشرق في عملية ترحيل استمرت 3 أيام.

معركة الماصيون:

عبر عشرون صهيونيا من مستوطنة عطاروت جنوب رام الله في 1/3/1948 إلى شمال قرية رافات وكمنوا لسيارة نقل ركاب وقذفوها بالقنابل وأطلقوا عليها الرصاص، لكنهم لم يصيبوا أحد من ركابها، فانسحبوا عن طريق وادي الدير، وفيما هم يتسلقون سفح تل الماصيون تصدى لهم أبناء البيرة ورام الله، فنشبت معركة قتل خلالها خمسة صهاينة وفرّ الباقون، فوصل إلى المكان عدد كبير من سكّان القرى العربية المجاورة فحاصروا الفارين وقتلوا ستة منهم، فاستسلم من تبقى من الصهاينة، ولما اقترب المناضلون منهم ألقوا عليهم قنبلة يدوية ففتح المناضلون النار عليهم وقتلوهم جميعا. تمّ تسليم جثث القتلى إلى القوات البريطانية، وتبيّن أن خمسة من القتلى هم من موظفي مصلحة البريد وقد حصلوا على إذن من رؤسائهم بالتغيب ذلك اليوم.

معارك المالكية:

تقع قرية المالكية على بعد نصف كم من الحدود اللبنانية مع فلسطين، شمال مدينة صفد، وقد كانت حتى عام 1923 تابعة للبنان. وحسب خطة وضعتها القيادة العامة للقوات العربية في عمان، كان مقررا أن يدخل الجيش السوري من الحدود اللبنانية للاستيلاء على صفد وعزل مستوطنات الحولة عن طبريا والقيام بهجوم مشترك على حيفا مع الجيش اللبناني وجيش الإنقاذ. وصلت هذه المعلومات إلى الصهاينة، فأصدر قائد لواء “يفتاح” وإيغال ألون أمرا في 13/5/1948 إلى قائد الكتيبة بالتقدم لاحتلال المالكية والتلال المحيطة بها لإغلاق الطريق أمام الجيش السوري واللبناني، وقام قائد الكتيبة ليلة 14-15/5 باحتلال قدس والمعسكر البريطاني خارج المالكية، لكن مفرزتين من الجيش السوري واللبناني قامت بهجوم معاكس أجبر القوات الصهيونية على التراجع بعد أن خسرت عددا كبيرا من رجالها، وبهذا تم استرداد المالكية والمعسكر وقدس، لكن القوات الصهيونية المنسحبة أعادت تجميع نفسها وهاجمت النبي يوشع بعد قصفها وتمكنت من احتلالها. وفي 19/5 تحركت قوة إسرائيلية معززة إلى داخل الأراضي اللبنانية والتفوا على المالكية واستطاعوا احتلالها رغم المقاومة العنيفة للقوات اللبنانية، واحتل قدس ونسف الجسور التي تؤدي إلى تلك المنطقة. ألقيت على عاتق فوزي القاوقجي مهمة استرداد المالكية، وبدأت مدفعية جيش الإنقاذ ظهر يوم 6/6/1948 بقصف الصهيونية في المالكية ودارت معارك عنيفة بين الجانبين اشترك فيها أيضاً الطيران السوري، واستطاع العرب استعادة المالكية وفي اليوم التالي تم استعادة قدس أيضا.

النكبة-ميشمار-هعيميك

جنود يحرسون مستعمرة مشمار هعيمك عام 1948

معركة مشمار هعيميك “حامية المرج”:

مشمار هعيميك مستعمرة تقع في مرج ابن عامر. كانت خطة جيش الإنقاذ في الهجوم على مستوطنة مشمار همعيميك تهدف إلى اختبار مناعة المستعمرات وقياس قدرتها الدفاعية ومعرفة أساليب التنسيق بين المستعمرات ومدى قدرة الصهاينة على خوض معركة في العراء بعد استدراجهم. سبقت عملة الهجوم على المستعمرة عملية هجوم مخادعة على مستعمرة زراعيم ليلة 4/4 ودمرت مجموعة من المنازل وبرك المياه، وتمكّن أفراد وحدة جيش الإنقاذ من أخذ مواقعهم بسرية جوار مشمار هعيميك، وذلك لأن الأنظار اتجهت إلى زراعيم. في مساء نفس اليوم 4/4، فتحت مدافع جيش الإنقاذ نيرانهم على المستعمرة، وتقدمت سرية من المشاة إلى الأسلاك الشائكة وبدأوا يقطعونها، اقتربت مصفحات جيش الإنقاذ من أبراج الحراسة وقصفها بكثافة حتى أسكنتها نهائياً. انسحب القاوقجي بعد حلول الليل إلى التلال المجاورة ووجه إنذاراً إلى المستعمرة بإرسال وفد للتفاوض لوضع المستعمرة تحت حماية جيش الإنقاذ، فأرسلت المستعمرة مندوبا يعلمهم بأنّ هيئة تمثل المستعمرة يصحبها ضباط بريطانيون سيصلون للمفاوضة ظهرا. اضطر القاوقجي لإرسال نجدات إلى القسطل بسبب تطورات الموقف هناك، وجاء وفد من المستوطنة إلى القاوقجي الذي أمهلهم 24 ساعة لنقل قتلاهم والتقرير بشأن الاستسلام. لكن السيارات التي كانت تنقل جثث القتلى كانت تعود محملة بالرجال والسلاح.

وفي صباح 10 نيسان، قام الصهاينة بأعنف هجوم عرف حتّى تلك الفترة، فطوّقوا قوات جيش الإنقاذ وعزلوها عن مواقعها واضطروها للعودة مسافة 4 كم عن مواقعها. أعادت قوات جيش الإنقاذ تنظيم نفسها، وفي صباح 11/4 فتحت المدفعية العربية نيرانها على المستعمرة وقام المشاة بهجوم قوى عليها فبدأ أفراد الهاغانا بالتراجع باتجاه المستوطنة والمستوطنات المجاورة، وراح جيش الإنقاذ يتقدم متجاوزا الجثث والأسلحة المتروكة، وعادت في هذه الأثناء القوة التي شاركت في معركة القسطل، وفي نفس الوقت وصلت قوات دعم صهيونية جديدة، وقام الصهاينة بهجوم مضاد. نجح مأمون البيطار في إحباط الهجوم لكنه استشهد في المعركة، وتوقفت قوات جيش الإنقاذ عند قرية منسي وأعادت تنظيم نفسها، وقامت بهجوم ثان واستردت المواقع التي خسرتها وألحقت الهزيمة بالقوات الصهيونية، واستمر القتال 7 أيام دون انقطاع تم خلالها تحرير التلال المحيطة بالمستعمرة وقتل قائد الحامية الصهيونية، وهاجر على إثر ذلك عدد كبير من سكان المستوطنة إلى مناطق أخرى.

حسني الزعيم قائد الأركان السوري

حسني الزعيم قائد الأركان السوري

معركة مشمار هايردين:

بعد تولي حسني الزعيم قيادة الأركان السورية، قرر تحقيق نصر عسكري في فلسطين مهما كان الثمن، لاسيما وأن مجلس الأمن كان على وشك اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار. وقع اختيار الزعيم على مستعمرة مشمار هيردين وهي مستوطنة على نهر الأردن قريبة من جسر بنات يعقوب أقيمت عام 1890، وهي موشاف زراعي محصن. نصت الخطة على إبقاء منطقة المستعمرة هادئة والقيام في نفس الوقت بهجمات مخادعة يمين ويسار المستعمرة، وبالفعل في صباح 7/6/1948 عبرت الوحدة السورية نهر الأردن وتمركزت باتجاه المستعمرة دون أن يشعر لها أحد. تحرّكت القوة باتجاه الأسلاك الشائكة المحيطة بالمستوطنة وفتحت فيها عدة ثغرات فتنبه لها الصهاينة وراحوا يطلقون النار لكن ذلك لم يكسر حدة الهجوم، وتابعت القوة تقدمها وأسكتت أبراج الحراسة وانتشرت بين أبنية المستوطنة وخاضت معركة بالسلاح الأبيض. في هذه الأثناء عبرت قوة سورية أخرى نهر الأردن فساهمت في القضاء على فلول المنسجين، وقد وصلت القوات السورية إلى مستعمرة روشينا ثم عادت بعد أن كبرت المسافة بينها وبين المشاة. سيطرت القوات السورية عل المستوطنة وتحت تصفية جيوب مقاومة صغيرة بقيت فيها، وفي صباح 8/6 قام الإسرائيليون بهجوم معاكس، فتصدت لهم القوات السورية بقيادة النقيب عدنان المالكي وطاردوهم حتى تل أبو الريش، وقد دعي هذا التل في ما بعد “تل المالكي”. وقد فشلت كل المحاولات الإسرائيلية اللاحقة في إجلاء أي جندي سوري عن موقعه. وظل الوضع هكذا حتى دخول الهدنة الأولى 11/6/1948.

وضعت القيادة الإسرائيلية خطة رمزها “بيروش” تنص على تطويق القوات السورية التي تحتل المستعمرة، وما أن انتهت الهدنة الأولى في 8/7/1948، بدأ الإسرائيليون في 9/7 برمايات غزيرة من النيران وبقصف مدفعي بعيد، وحلقت 4 طائرات إسرائيلية فوق المواقع السورية، وأخذت تقصف بالقنابل، وفي العاشرة ليلا نجح رتل مهادي في عبور النهر إلى الضفة الشرقية وبدأت من هناك عملية قصف مدفعي للقوات السورية مما قطع اتصال القوات مع القيادة. فتحت القوات السورية نيرانها على الأرتال التي هاجمت مواقعها وأجبرتها على التراجع مما دعا القائد الإسرائيلي إلى الانسحاب السريع، وفي 10/7 تحركت الدبابات السورية وطاردت المنسجين، فدب الذعر في صفوفهم وأخذوا يفرون، مما اضطر القائد الإسرائيلي إلى تهديد الفارين بإطلاق النار عليهم كي يجبرهم على البقاء في مواقعهم. استمرت المعركة ستة أيام خسر خلالها اللواء الإسرائيلي المهاجم نصف قواته بين جريح وقتيل قبل أن تنتهي عملية “بيروش” بالفشل التام رغم النجدات التي وصلت يوم 14/7/1948. لم تنسحب القوات السورية من مواقعها إلا بموجب اتفاقية الهدنة النهائية، بشرط أن تبقي مشمار هيردين منطقة مجردة من السلاح.

-يتبع-

الصورة المرافقة: مناضلون فلسطينيون قرب مركبة تحترق للهاجانا في طريق القدس، 1948

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

خالد جمعه

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..