عم وجدي – قصة قصير

الكاتب: محمد وجدي

كان عندما تداعب أنفاس الشيشة المعمرة بالحشيش رأسه وتداعب خياله ينفجر قلبه بالشّوق الإلهي فيصيح صيحته الشهيرة بأعلى صوته بلهفة محبّ رنا إلى لقاء حبيبه فيقول: “لا إله إلا الله”.

وكان القادم الجديد على محلّه الموجود بذاك الشارع الصغير -الذي قام عمّ وجدي برصفه على نفقته وتبليطه وملأه بالشجيرات من كلّ نوع، وأشهرها العنبة الشهيرة التي كانت تظلّل مدخل البيت ومدخل بيوت أخرى، وكانت مأوى لكلّ راغب في مُتذَوَّق للعنب مجانا ولكلّ حامل تتوحّم على العنب ولا تهتمّ بأن تأكله حصرما قبل أن ينضج. المهم أن لا تخرج عنبة في وجه طفلها المنتظر، أقول: كان القادم الجديد على محلّه يتعجّب لتلك النّداءات المتكرّرة ولكنّه ما يلبث أن يبتسم ثغره ويعتاد عليها كلّما قدم الليل وأوغل في الحلكة.

وذات يوم، وبينما هو يمارس طقوسه المعتادة من “التحشيش” وإطلاق نداءات محبّته الفصيحة انطلق صوت آخر مماثل يردّد نفس العبارة. توقّف مندهشا، ثمّ بعد ثوان معدودات حسم الأمر بأنّ هذا هو صدى صوته يسري في الليل، ثم أعاد نداءه وتكرّر الترديد خلفه مرة ثانية وثالثة.

توقّف مستغربا، وظنّ أنّ الحشيش قد لعب برأسه، وهو من هو في مضمار الكيف من سنين وسنين، ولكنه أراد أن يقطع الشك باليقين فسأل من حوله فأكّدوا سماعهم للصوت فصاح “مين ال… اللي بيقلدني؟”

وانطلق الصوت.. مرّة وثانية وثالثة.

سار عم وجدي وراء الصوت فوجده يأتي من بيت “أبو هشام” الممرّض. ووجد باب الشقة على مصراعيه، وبجواره زوجته وابنه الوحيد. وكان به نحول وهو السّمين الأبطن، وكان يعتريه شحوب الموتى، وأنفاسه تتلاحق متسارعة تسعى للخروج وتأبى أن لا تعود.

كان الرجل في الغرغرة الأخيرة، وقد أوحت له تلك الكلمة التي يردّدها عم وجدي بأن يختم بها دنياه ويفتتح بها آخرته غير عابئ بأنّ عم وجدي يقولها في لحظة نشوة الكيف. وبعد دقائق معدودات أسلم أبو هشام الروح أمام بكاء ونشيج عم وجدي، ولكن عم وجدي لم يتوقف يوما عن إطلاق ندائه الحلو يوميّا حتّى بعد تركه للحشيش، ولم يكفّ عن النداء إلا بعد أن أجبره المرض على لزوم الفراش.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

محمد وجدي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..