مجتمع

مملكة العيون العسلية -2- الرحلة الأولى في المواصلات العمومية: تحرّش!

اقرأ مملكة العيون العسلية -1- ذكر، أنثى، إنسان 

هل سمعت من قبل عن “مملكة العيون العسلية”؟

هل نبشت مرة داخل بحرك بعمق كاف لمعرفة ما تريد، وهل أنت حزين أم سعيد؟

في غربتنا معا وجب علينا الاستمتاع بالحكايات والعوالم الغريبة المثيرة، علنا نعرف موطن الداء ولماذا نشعر بهذا الخواء.

ألتقط من قلبي طرف بدايتي، أحكي وتنصت لي؟

يافعة، يقودني فضولي لقراءة كتاب عن أصل الحياة. فأختي الصغيرة ذات الـ”15 عامًا” تزوّجت وتركتني منذ شهر، أقلب صفحات الأحلام في عالم تقوده جدّة مختبئة في الظلام، تراقبني بقلب خائف. وفي لحظة تلقين خاطف، تنتزع الكتاب من يديّ بقوة وتنهرني قائلة: “مش عارفين نخلص منك ونجوّزك بعين سليمة، هنعمل إيه لما نظرك يضعف بسبب قراية كلام فاضي؟”

أوّل ما فقدت هنا، كان ثقتي بأنني جميلة وكافية. هل تعرف مثلي هذا الشعور بالضآلة؟ الجدة التي تركت التاريخ يُكتب بأيدي رجال المدينة، ولم تشارك في تأليف موسيقى الكون أو حتى عزفها، أرادت مني نفس طاعتها التامة. فأنا لم أفهم في طفولتي السؤال، ومن الذين رسبوا في اختبار “متاهة الأحلام”. اخترت من بين “ذكر/ أنثى/ إنسان”، أن أكون ذكرا، فضاق بي جسد النساء وانسياقهن، وضياع أعمارهن. الآن أكتشف أنّ لي عقلا يعي محتوى عالمي، يعي حاجتي للعودة إلى أصل جديد، أرض مشتركة بيني وبين رجال المدينة. لهذا سأتسلّل في الليل من قبضة جدتي العفية.

هل ترى نور الصباح من حولي؟ لأوّل مرة، أخرج وحدي من البيت. هل الدابة العملاقة التي تسير على أربع عجلات هناك، هي الحافلة التي قرأت عنها في الكتب. سأركب الحافلة الآن، وأمضى إلى طريق جديد. اركب معي ولا تخف!

نجلس في “كنبة” كبيرة في الخلفية. تبدأ الحافلة في الامتلاء. أراقب رجلا مهيبا بجلباب فضفاض و”عِمَّة” كبيرة يستند بجسده على ظهر سيدة تقف في صمت، باهتة. وبعد نصف ساعة، يأخذها الزّحام إلى الأمام وتقف مكانها سيّدة جديدة. فيستعدّ الرجل الهمام للالتصاق مرة أخرى بظهر الجديدة الخام، إلّا أنّ السيدة الجديدة تلتفت لفتة عتيدة وتلكزه في صدره وتصيح: “إيه يا أستاذ عيب كده!” فيندهش الرجل من ردّة فعلتها ويصيح فيها صيحة صاحب الحقّ والعطيّة: “جرى إيه يا ست؟ الست الأصيلة متعملش كده، قدامك الست بقالي نص ساعة بدقّ فيها مفتحتش بقّها عشان ست متربية”. وبيده الكبيرة صفعها على وجهها صفعة مدوية، فدخلت السيدة على الفور في حالة إغماء.

بعد ما أفاقت، داهمتها نوبة بكاء. ولم نعد نفهم ما تقول من هول حالتها المتماهية مع الذهول. بينما تجلس سيّدتان في عمر الأمّهات الكبيرات في مقعد أمامي، تتغامزان وتمصمصان الشفتين قائلتين:”ما هي غلطانة، وكبّرت الموضوع. في ستّ تزق راجل؟! تستاهل! وبعدين هو كان ضربها بالنار؟”. من هول صدمتي، بدأت في الارتجاف. يا منجي من المهالك! يا لطيف الألطاف!

للحكاية دائما بقية، ما دمنا في مملكة العيون العسلية!

-يتبع-

  • الصورة المرافقة: مشهد من الفيلم المصري 678

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

سالمة العسلية

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..