سينما مراجعات

Captain Fantastic .. هل نستطيع الهروب من العالم المتحضر؟

الكاتب: غادة خياط

يطلّ علينا Matt Ross بفيلم Captain Fantastic ، فيلم درامي كوميدي أضمّه دون شك إلى أفضل أفلام سنة 2016.

العالم المثالي

تخيّل نفسك للحظة تعيش بين أحضان الطبيعة، بعيدا عن ضوضاء المدينة وبعيدا عن الحضارة التي سلبت منّا المعنى الحقيقي للحياة. هذا ما أراد أن يفعله Ben صحبة زوجته، فقرّر تربية أبنائه الستّة في غابات شمال المحيط الهادي. قرّر أن يترك المدينة وراء ظهره وينطلق نحو عالم أفضل ليربّي أبناءه بعيدا عن سموم المجتمع المتصنع. أراد أن يحرّرهم من القيود التي تكبّل أيدينا، أن يحرّرهم من التلفاز والأفكار المسمومة، من الهاتف والتكنولوجيا وآفة العالم الافتراضي، من العادات التافهة والايتيكات ونفاق المجتمع، من مناهج التعليم الهزيلة واندثار الثقافة أمام انتعاش الفن الرخيص، من الأمراض والسمنة والأكلات السريعة، من تبلد المشاعر والأفكار، من السطحية والاستهلاكية، من عالم الجميع فيه متشابهون.

منذ بداية الفيلم، ستجد نفسك منبهرا بهذا العالم المصغّر الذي خلقه Benn. فأبناءه باختلاف أعمارهم يتمتّعون بقوة بدنية وطاقة عالية. وفي نفس الوقت، استطاع أن يزرع فيهم حسّا فنيا وثقافة شاسعة. ورغم عزلتهم عن العالم الخارجي، إلا أنّهم الأكثر وعيا بحقيقة واقعنا الاجتماعي.

استطعنا أن نخلق شيئا مميزا هنا، لقد صنعنا الجنة التي نحلم بها.

هل نستطيع الهروب من العالم المتحضر؟

كان Captain Fantastic فخورا بما استطاع أن يحقّقه، لكن تبقى الأسئلة مطروحة: هل عزل الأبناء عن العالم سيحميهم فعلا؟ هل سيجعلهم قادرين على مواجهة الحياة؟ هل نستطيع تجاهل العالم من حولنا والعيش في معزل عنه؟ هل نحن في حاجة ماسّة لذلك المجتمع المتصنع والمشوّه بالحضارة؟

كل هذه الأسئلة ستُطرح حين تتطور الأحداث وتأخذ منعرجا جديدا بعد انتحار الأم المصابة بمرض نفسي، ليجد الأب والأبناء أنفسهم مجبرين على مواجهة العالم لأول مرّة لحضور مراسم الدفن. مع اصطدامه بالواقع، يجد الأب عالمه ينهار شيئا فشيئا ليدرك أن تلك الحياة التي خلقها كانت

غلطة جميلة، لكنها غلطة..

مع موت الأم و الخروج من العزلة لأول مرة، يجد الأبناء أنفسهم وسط العديد من الأحاسيس والتجارب المربكة يواجهون نظرة المجتمع الذي لا يستطيع أن يتقبّل اختلافهم، خاصة عائلة الأم التي ستشنّ الحرب على Ben وتتّهمه بتحطيم مستقبل الأطفال وتعريضهم للخطر.

حتّى لو استطاعوا تجاوز التجربة التي تجبرهم على اجتيازها، لن يكونوا أبدا مستعدين لمواجهة العالم الحقيقي.

هكذا واجهه حماه، وهكذا بدأ Ben يقتنع أنّه ارتكب خطأ فادحا في حق أبنائه. فماذا سيكون مصيرهم؟

الأداء، الإخراج والموسيقى التصويرية

إلى جانب السيناريو المبتكر والحوار الرائع في هذا الفيلم، أُعجبت بأداء Viggo Mortensen الذي قدّم سابقا دورا لا ينسى في فيلم The Road. استطاع أن ينقل لنا معاناة الأب الذي يسبح عكس التيار في محاولات يائسة للهروب من الواقع، فنعيش معه لحظات الجنون و السعادة ولحظات الغضب والشك والارتباك التي نقلها ببراعة. أداء أكثر من رائع برأيي يستحق الأوسكار دون شكّ.

أبدع المخرج والكاتب Matt Rosss بأتمّ معنى الكلمة، حيث استطاع أن يقنعنا منذ البداية أننا نعيش الحياة بطريقة خاطئة ويتلاعب بأفكارنا ليبيّن لنا أن الواقع والحضارة والأنظمة التي نعيش فيها مشوّهة ويجب الابتعاد عنها، فنقع في حب العالم البسيط الذي بناه المخرج في الفيلم. بالإضافة إلى هذا، فإنّ المخرج لم يركز على تصوير المشاهد الطبيعية ليبهرنا بها بل ركز على تفاصيل الحياة اليومية للعائلة والتوازن والانسجام بينهم ليجعلنا نتمنّى أن نقضي ولو يوما واحدا معهم.

كانت الموسيقى التصويرية بغاية الجمال، في تناغم مع الأجواء التلقائية في الفيلم،خاصة موسيقى Sweet child of mine في مشهد توديع الأم الذي كان من أجمل المشاهد في الفيلم. إلى جانب الموسيقى، الألوان المبهجة أضافت رونقا و نكهة خاصة. أعتقد أنّ من شاهد الفيلم لا يستطيع أن ينسى مشهد دخول الأب والأبناء إلى الكنيسة بتلك الأزياء المضحكة. برأيي، يمكن تلخيص الفيلم كاملا في ذلك المشهد فقط.

تحصّل فيلم Captain Fantastic على عديد الجوائز ونال تقديرا كبيرا من النقاد. وهو في تقديري، فعلا تجربة فريدة من نوعها.

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

غادة خياط

2 Comments

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..