سياسة و مجتمع

الاقتصاد الموازي في تونس من زاوية مختلفة

الكاتب: رمزي محمدي

الاقتصاد الموازي، العمل بطريقة غير رسمية، الكنترة، التهريب.. تتعدّد المصطلحات لكنها تلتقي في تخريب الإقتصاد الوطني . و إن سألت عن الأشخاص و الهياكل المسببة للتخريب ستجد أن “حاميها حراميها”. الاقتصاد الموازي مصطلح  يُطلق على كل من  المخرجات والقوى العاملة في المنشآت غير المسجلة لدى الحكومة، كما يطلق على النشاطات والقوى العاملة في المنشآت المسجلة لدى الحكومة ولكنها غير مبلَّغ عنها. وبناء على ذلك، فإنّه من الصعب تقدير حجم النشاط غير الرسمي استنادًا إلى هذا التعريف.

تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية، و70% من عمالها موجودون خارج الاقتصاد الرسمي. ويفتقر العاملون في تلك المنشآت إلى  الحماية الاجتماعية. في تونس، تفيد دراسة أعدتها وزارة التكوين المهني والتشغيل في سنة 2008 أن تونس تسجل سنوياً دخول 140.000 عامل لسوق الشغل، أغلبهم من أصحاب الشهائد العليا، في حين أنّ الاقتصاد التونسي غير قادر على خلق سوى 60.000 موطن شغل سنويا تقريبا. إنّ هذا العجز يفرض تحقيق معدل نمو سنوي بـ 10 في المئة حتى تستطيع الدولة التحكم في البطالة وهو معدل يصعب تحقيقه حتّى في بلدان متقدمة ما يجبر العديد من العاطلين على إتباع سبيل الإقتصاد الموازي فيما يخيّر البعض الانتظار على سبيل الظفر بوظيفة عمومية.

تُعدّ الخوصصة أحد أسباب تفاقم أزمة البطالة مما أدّى إلى توسّع الاقتصاد الموازي، بانتشار ما يعرف بأسواق ليبيا وتهريب المحروقات، إضافة إلى دور شبكات نقل وتوزيع البضائع انطلاقا من الأسواق بمدينتي بن قردان ومدنين مرورا بسوق مدينة الجم ومساكن في الوسط، وصولا إلى أسواق سيدي بومنديل وسوق المنصف باي بالعاصمة. و أصبح يستوعب 40 في المئة من القوى العاملة، ويمثل 42 في المئة من الناتج الوطني الخام . هذه الأنشطة التي نشأت على هامش القانون لم تعد هامشية فشبكات الاقتصاد الموازي تزوِّد قطاعات هامة من الاقتصاد المنظّم، كالمحلات والأسواق الكبرى بشتى أنواع البضائع. إضافة إلى ذلك، فإنّ الثروات التي جناها المهرّبون غالبا ما يقع توظيفها في القطاع البنكي في تبييض الأموال المتأتية من تلك الأنشطة .

مصطلح  “الاقتصاد الموازي ” للاقتصاد الشرعي و القانوني يعكس عدم اعتراف الدولة بهذه الأنشطة رغم انتشارها، ورغم أنها مورد رزق مشروع في نظر العاملين بها. لكن يبرز خلف هذه المفاهيم صراع قوامه “المشروعية ” بين دولة تريد احتكار المعنى، ومواطنين يفرضون الواقع المعاش، ويدافعون عن وجود مثل هذا الإقتصاد ووجودهم في آن. فقد قهر الاقتصاد الموازي المواطن مرتين: مرة عندما أوصدت في وجهه أبواب الوظيفة العمومية والعمل المنظم، ومرة ثانية عندما أُذلّ حين سعى إلى كسب عيشه على هامش القانون .إن تعامل الدولة مع هذا الاقتصاد لا يقوده حرصها على احترام القانون، بل تمليه المصلحة في الاستفادة من هذا الاقتصاد الذي ساهم في تحقيق نسب نموّ، لطالما قدمتها الحكومة كدليل على نجاحها الاقتصادي. إذ تنتهج سياسة غض البصر حيال هذه الظاهرة بسبب كون المسيطرين على القطاع من المقربين للسلطة وبسبب عدم قدرتها على إيجاد بديل لإستيعاب المشتغلين في السوق الموازية .

من هنا نفهم التعامل البرغماتي للسلطة مع هذه الأنشطة. إذ لم تعد الغاية من القانون احترامه بقدر ما أضحى تفعيله يتم بصفة انتقائية على أساس الولاء والطّاعة للنظام. ومن ينظر للاقتصاد الموازي على أساس مخالفته للقانون حصريّا فإنّه يهمل الوجه الآخر للسّلطة. “فـالقانون ليس سوى نصف الحقيقة، أما النّصف الثاني فيقع في الرشوة والزبونية ” كما يقول المؤرخ الفرنسي بول فاين.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

رمزي محمدي

أستاذ في القانون الخاص

تعليق

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..