فنون

“حالة عشق لا تتكرّر”

“لاجئ فلسطيني يرسم من أجل الوطن وقضايا إنسانيّة أخرى، يرى أنّه مجرّد هاوٍ فقط”. هكذا يعرّف قصيّ أبو عامر نفسه. هو ليس رسّاما تماما، إذ يستعمل الخطّ في أغلب أعماله لكنّه ليس خطّاطا أيضا. ولعلّ هذا الخليط الجميل بين الخطّ والصورة هو ما يميّزه عن غيره، فإذا ما تعوّدت رسومه ستميّز الجديد منها ما أن تراه. يستعمل أبو عامر أقلام الحبر، الدّهن الزّيتي، الألوان المائيّة والقهوة حتى ومحامل مختلفة مثل الورق والكنفاس بأحجام مختلفة. وهو يوثّق مواده ومحمله ويذكر مصادر إلهامه، من باب إطلاع متابعيه وحفظ حقوق أصحاب الكلمات مثلا أو الرسمات الأصليّة التي استوحى منها عمله، أحيانا.

كونه فلسطينيّا، جعل الوطن لا يغيب عن معظم أعماله التي وإن خلت من ما هو فلسطينيّ لا تخلو من مواضيع مثل المقاومة والشوق للوطن والفداء والحبّ، خاصّة وهو اللاجئ. يعرّفك على المدن الفلسطينيّة من يافا لغزّة للقدس وعلى المخيّمات الفلسطينيّة داخل فلسطين وخارجها:عين الحلوة، صبرا وشاتيلا، جنين واليرموك، فهو من الذين يعتقدون أنّ المخيّمات أصل الحكايات. لكنّك ستجد نفسا عروبيّا حاضرا إذا ما غاب ذكر فلسطين، فكلّ من ساند القضيّة حاضر في أعماله. ستجد تونس والجزائر، ومصر والعراق وسوريّا ولبنان والسودان. ليس فقط لدعمها القضيّة الفلسطينيّة بل لاهتمام منه بكلّ محاولات النهوض العربيّة. أعمال أبو عامر إنسانيّة، وبلدان أمريكا الجنوبيّة حاضرة عنده لما يُعرف عن ثوريّتها في مواجهة الامبريالية ودعمها للقضية الفلسطينيّة.

شاهد أيضا غزة كما لم ترَها..

يكتب أبو عامر أبيات شعرٍ، كلمات أغانٍ، عبارات ذات رسالة أو تعبيرات إنسانيّة. “لا تصالح” أمل دنقل، “إلى فلسطين خذوني معكم” نزار قباني، وأبيات أخرى لابراهيم نصر الله، محمود درويش، توفيق زيّاد وآخرين من القامات الشعريّة العربيّة. كتب أيضا مقاطع من أغانٍ لفيروز، سميح شقير وزكي ناصيف. “أنا من بلد الشبابيك المفتوحة ع الحبّ”، “يا عاشقة الورد”، “مو تعرفني أحبّ الورد” وغيرها. لكنّ الأكثر حضورا في رسوماته عبارات لهبة الجندي وأبيات ومقتطفات من أشعار الشّاعر العراقيّ مظفّر النّواب. وبالإضافة للشّعر والأغاني، يخطّ الرّسام الحديث النبويّ أيضا وآيات من القرآن.

يرسم قصيّ خريطة فلسطين كثيرا وكثيرا جدّا، من يدقّق في أعماله سيجدها حاضرة بنسبة تفوق ال70%، فلسطين بكاملها من النهر إلى البحر، “كامل التراب الوطنيّ”. نجد أيضا حنظلة في مشاهد جديدة غير التي اعتدناها في كاريكاتيرات ناجي العليّ، حتّى أنّ الذي لا يفرّق جيّدا سيقع في الخلط، وقد وقعت فيه شخصيّا، فيعتقد أنّ بعض رسوم أبو عامر رسوما للعليّ. والتّأثر به ظاهر في أعمال الرسّام الشاب، كما أنّه يخلّده وذكراه في أكثر من عمل. يرسم الحمام رمز حريّة، الزّهر جمالا والكوفيّة اعتزازا. تحضر البنادق في الكثير من أعماله بل تسيطر، فهو يحمل رسالة المقاومة ويؤمن بأنّها طريق التحرير. الألوان المميّزة لأعماله هي ألوان العلم الفلسطينيّ، لكنّها تتغيّر أيضا حسب الموضوع والرّؤية التي يريد إيصالها. ما لاحظت غيابه هو النّساء، فهنّ محتشمات الحضور في رسومه رغم دفق الحبّ في كثير من رسومه. وأرجو حضورا أكثر للجدائل والأثواب والعيون الفلسطينيّة في رسوماته القادمة.

15/6/2015 كان تاريخا فارقا برأيي في ما يخصّ تجربة قصيّ أبو عامر الفنيّة الفتيّة، فقد نظّم فيه أوّل معرض له. والمعرض لم يكن كما اعتدنا المعارض الفنيّة في القاعات وأروقة الفنون، بل في الشارع. ولم يكن أيضا في أيّ شارع، بل في شوارع المخيّم بعمّان-الأردن، لنعود مجددا لفكرة “المخيمات أصل الحكايات” التي وجّهت خياره لمكان احتضان أعماله. اللاّجئ يعرض أعماله للاجئين، فـ”لا ننسى ولا نغفر”. معرض فنيّ لعامّة الناس، بلا بطاقات دعوة ولا تذاكر. نُظّم بجهود صاحب الأعمال الفنيّة وأصدقائه الذين يشاركونه الفكرة والقضيّة ويؤمنون بتميّز ما يقدّمه.

عنون أبو عامر المعرض بـ”حالة عشق لا تتكرّر” مقتطف من قصيد النّواب الشهير “عبد الله الارهابيّ. وقد تضمّن مجموعة كبيرة من أعماله في أزقّة مخيّم النصر، ومجموعة من القمصان تحمل مقتطفات لهبة الجنديّ في جزء منه سُمّي “حبل الغسيل”. لقي المعرض صدى طيّبا لدى الحضور الذين كانوا من شباب وشيوخ المخيّم ومن خارجه أيضا. قرأت في التعاليق على صور المعرض طلبات لمعارض في مدن أردنيّة أخرى وخارجها. كما أنّ بعض الأعمال أصبحت الآن تزيّن المقهى الثقافي “بيت بلدنا”، جبل اللوبيدة – الأردن. نرجو أن يكون هذا المعرض عادة ينسج على منوالها فنانون آخرون فيكون الفنّ شعبيّا مشاعا للمواطنين البسطاء الذين لا يملكون قدرة حضور المعارض داخل القاعات. المعارض الشعبيّة، فرصة أيصا لترسيخ الأفكار ونشر الجماليّات في الشارع مباشرة دون وساطة وبعيدا عن دوائر التخبة والبرجوازيّة. كما المقاومة شعبيّة، كما الوطن من الشعب وله، يكون الفنّ الوطنيّ المقاوم.

لمزيد من الأعمال: صفحة قصيّ أبو عامر على فيسبوك

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

نهى سعداوي

تونسيّة، متحصلة على الماجستير في اللسانيات الانجليزية. مهتمة بالترجمة ودعم المحتوى العربي. هاوية كتابة. مناصرة للقضية الفلسطينية، لقضايا العرب والمسحوقين أينما كانوا.

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..