تاريخ تكنولوجيا علوم

بين ساعتين

الكاتب: رمزي محمدي

ربما قد تأخرنا وربما نحاول التقدم مرة أخرى بين ساعة هارون الرشيد التي أثارت رهبة ملك أوروبا العظيم شارلمان وبين ساعة أحمد التي اعتقدوا أنها قنبلة معدّة لعمل إرهابي. في هذا المقال أردنا الحديث عن تاريخ الساعتين.

Sans titre4

الساعة الأولى هي ساعة الخليفة العباسي هارون الرشيد و قد أرسلها إلى شارلمان وكانت ساعة مائية ساعة مائية من النحاس الأصفر بارتفاع نحو أربعة أمتار و تتحرك بواسطة قوة مائية وعند تمام كل ساعة يسقط منها عدد من الكرات المعدنية يتبع بعضها البعض الآخر بحسب عدد الساعات فوق قاعدة نحاسية فتحدث رنينا جميلا في أنحاء القصر الإمبراطوري كانت الساعة مصممة بحيث يفتح باب من الأبواب الاثني عشر المؤدية إلى داخل الساعة و يخرج منه فارس يدور حول الساعة ثم يعود إلى المكان الذي خرج منه و عندما تحين الساعة الثانية عشر يخرج اثنا عشر فارسا مرة واحدة يدورون دورة كاملة ثم يعودون من حيث أتوا و تغلق الأبواب خلفهم .

و قد أثارت الساعة دهشة الملك وحاشيته، واعتقد رهبان الملك أن في داخل الساعة شيطانا يسكنها ويحركها. جاؤوا الى الساعة أثناء الليل، وأحضروا معهم فؤوسا وحطموها إلا أنهم لم يجدوا بداخلها شيئا سوى آجزائها. حزن الملك شارلمان حزنا بالغا واستدعى حشدا من العلماء والصناع المهرة لمحاولة إصلاح الساعة و إعادة تشغيلها، لكنّ المحاولة فشلت.

إعادة تصور لساعة هارون الرشيد و تمثال شارلمان

ذُكرت السفرات المتبادلة بين الرشيد وشارلمان في المصادر الأوروبية فقط وبحسب الوارد عنها في مصادر أجنبية، فإن الساعة كانت عجيبة “أرسلها في العام 807 ميلادية الخليفة العباسي هارون الرشيد هدية إلى صديقه شارلمان، ملك الفرنجة”. يرجّح بعض المؤرخين الأوروبيين أمثال بارتولد و بروكلمان أن بعض التجار العراقيين الذين ذهبوا إلى مدينة اكس لاشابيل آخن، قاعدة شارلمان، انتحلوا صفة السفراء الناطقين باسم الرشيد لدى شارلمان من غير تفويض. لهذا لم يرد ذكرهم في المراجع العربية، فقد كان اعتماد الجانبين في أداء هذه المهام الدبلوماسية على العلماء والفقهاء في أغلب الأحيان.

لوحة تخيلت لبعثة محملة بالهدايا من الرشيد إلى شارلمان

 و يذكر أنه بعد أكثر من عشرين سنة من الأبحاث بألمانيا تم العثور على عظام تحت إحدى الكاتدرائيات تعود لشارلمان العظيم “أب الأوروبيين”. وقد عُثر على العظام أسفل “كاتدرائية آخن” الألمانية، وهي 94 عظمة تأكدوا قبلها أنها لرجل مسن ونحيف. الكاتدرائية المعروفة بكاتدرائية الإمبراطور، رومانية كاثوليكية، هي الأقدم بشمال أوروبا. تم فيها تتويج 30 ملكا بألمانيا طوال ستة قرون، وبدأ ببنائها في العام 792 شارلمان نفسه، ثم تم تدشينها بعد 13 سنة “على شرف مريم العذراء” وعندما توفي شارلمان في العام 814 وضعوا رفاته في قبو أسفلها.

               عظام شارلمان أثبتت أنه كان يعرج في مشيته الأخيرة

شارك في دراسة عظام شارلمان، البروفسور فرانك روهلي من جامعة زوريخ السويسرية، الذي أعلن عن هوية صاحب الرفات. وكان الفريق العلمي قد أجرى أبحاثا وفحوصات بشكل خاص على عظام الفخذ والساق والعضد لمعرفة طول صاحبها وبنيته، والتي تطابقت تماما مع أوصاف الإمبراطور الشهير، فاتضح أن طوله 1.84 سنتيمترا، وأنّه كان نحيلا يبلغ وزنه 78 كيلوغراما، وهو ما تطابق تقريبا مع ما كتبه بعض المؤرخين بأن طوله كان بين 1.79 و1.92 سنتيمترا.

 

الساعة الثانية هي ساعة أحمد الطفل السوداني الأصل التي يصفها فيقول “هي ساعة بسيطة للغاية مجرد لوحة و دائرة كهربائية و مصدر للطاقة موصول بشاشة عرض رقمية ” وقد عرضها على مدرس الهندسة الذي بدا حذرا منها. أصدرت الساعة إنذارا في حصة اللغة الإنجليزية فـتحفّظت المعلمة على الساعة التي ظنتها قنبلة. ثمّ قام مدير المدرسة بسحب أحمد خارج الصف ليتم القبض عليه من قبل الشرطة والتحقيق معه.

وبعد انتشار قصة الفتى، دعاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما لزيارة البيت الأبيض، عبر تغريدة على تويتر، قائلا :”إنها لساعة رائعة، هل تود جلبها للبيت الأبيض؟ علينا أن نلهم الفتيان مثلك لجعلهم يحبوا العلوم، ذلك ما يجعل أمريكا عظيمة”.

نال أحمد عرضا من شركة أتوديسك على لسان رئيسها التنفيذي كارل باس، كذلك الحال مع شركة بوكس. فيما دعت شركة تتبع جوجل، الفتى المسلم أحمد للمشاركة بمعرض الابتكار والعلوم. كما قدّم مارك زوكربيرغ للفتى المسلم الذي اعتقلته الشرطة لإحضاره ساعة إلكترونية من صنعه للمدرسة، عرضا للعمل في فيسبوك. ونشر زوكربيرغ على صفحته قائلا:” لا بد أنكم سمعتم قصة أحمد ابن الـ14 سنة وهو تلميذ في تكساس صنع ساعة إلكترونية واعتقل عندما جلبها للمدرسة، امتلاك المهارة والطموح لصنع الأشياء الرائعة يجب أن يلاقي التصفيق لا الاعتقال، فالمستقبل لأناس مثل أحمد”. وأضاف مخاطبا الفتى:” أحمد! إذا أردت يوما أن تأتي إلى فيبسوك، أحب أن ألتقي بك. واصل فيما تصنعه”.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

رمزي محمدي

أستاذ في القانون الخاص

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..