سياسة و مجتمع

كفتة عبد العاطي، 30 سنة دون انقطاع الكهرباء في ألمانيا.. وأكاذيب أخرى، المحتوى العربي المغلوط على الشبكة

الكاتب: راسم علي

أبسطها “صبي في المتوسطة يخترع .. ”  “طالب ثانوية يكتشف ..” وترهات أخرى، عناوين كثيرة لا تقنعنا ولا أظنها تقنع من كتبها حتّى. أكاذيب تدفعنا للضحك وللتنديد بناشريها وبقلة ذوقهم أحيانا. حالة تغمر الصحف والمجلات -خاصة الرقمية منها- بأخبار سريالية. فهل من يكتب الأخبار أحمق؟ أم أنه يظن أن القارئ أحمق؟ نتساءل، نضحك، نغضب ونُري أصدقاءنا آخر هذي الترهات.. هكذا نتفاعل غالبا.

الكتابة في عالمنا العربي مهنة لا تغني ولا تسمن من جوع والكاتب إن أراد العمل فهو رهن معايير كمية: كم مقالا، كم مشاهدة وكم كلمة؟ لذلك، بالنسبة لمن يكتب هذه الأخبار، الحل بسيط: اكتب بسرعة شيئا سيبهر الناس بـ “رداءته” فيشاركونه أو يعلقون عليه ضاحكين من حماقاتك. وهكذا ترتفع أرقامك ونسب التفاعل مع المجلة أو الجريدة.

في الصّور مثال عن خبر مغالِط نشره موقع لقناة تلفزيونيّة تونسيّة معروفة، تجد في التعليقات عليه معلومات من مصادر موثوقة تكذّبه. ولو أنّه يبدو غير معقول دون الاطلاع حتّى، غير أنّ القارئ العربيّ سريع التصديق.

Capturet

 رابط المقال

رابط بالمعلومات التي تنفي صحّة الخبر.

لا أدري ربما يبتسم المحرر شماتة، وربما إن قاومنا تلك الرغبة في التعليق والسباب تفاعلا مع هكذا مقالات تنخفض أرقام التفاعل معها. ربما لو ألغينا اشتراكنا بهذه المواقع ستكون الرسالة أوضح بأنّ سياسة “إن لم تستطع أن تبهرهم بذكائك فأذهلهم بغبائك” لن تنجح معنا نحن الذين نقرأ أكثر مما في السطور. وربما حينها فقط يعود للكتابة حسّها النوعي بدل هوس الكم.

قد يكون تعليقنا حين القراءة، بالنسبة لنا، أمرا بسيطا لكنه لمن مُنح اهتمامنا وانتباهنا ومن كَسب تفاعلنا العامل الحاسم في العصر الرقمي. فإذا رأيت خبرا عن طالب ابتدائي يخترع محولا لذكور البط إلى غربان فقط قم بإلغاء اشتراكك في المجلة فربما ستنجح في مسح تلك الابتسامة السمجة من على وجه المحرر. وقد تصله رسالتك بأن عليه أن يحترمك ويتخلى عن الحيل المعتمدة على ردود الأفعال ويبحث عن قصة أو معلومة أو يقدم وجهة نظر ليكسبك.

إنّ انتشار المحتوى متدنّي القيمة المعتمد على رد فعل القارئ بدل إشباع احتياجه يعود كما أسلفنا لاعتماد المقاييس الكميّة. وتتعدّد أشكال تقديم هذا المحتوى فنجد:

  • العناوين المضللة للمقالات إذ تجد المحتوى مختلفا تماما عن العنوان.
  • الأخبار السريالية من قبيل “علاج الايدز بالكفتة”.
  • الأخبار المحتوية على معلومات مغلوطة مثل “ثلاثون عاما دون انقطاع الكهرباء في ألمانيا”.
  • أخطاء التحرير التي تُفقد كثرتها المحتوى قيمته.

في العادة، أتجاوز هذا النوع من المحتوى المنتشر على الفايسبوك العربي الذي يكون مليئا بالعواطف والكذب و”التلحين”. لكن حين تعلّق الأمر بـأديسون، قررت أن أتقصّى وأتثبّت وتبيّن أنّ قصّة انقطاعه لأنّه “غبيّ” ملفّقة تماما.

هكذا كتب علاء الدين على حسابه في فيسبوك إثر انتشار هذه القصّة وكثرة تداولها. وللتصحيح نشر قصّة أديسون الواقعيّة. يقول: “كان لدى أديسون مشاكل في السمع ولم يكن يستطيع الدراسة بصفة عاديّة وبما أنذ والدته كانت معلّمة، علّمته في المنزل. فقط، لا أكثر ولا أقلّ. أمّا بالنسبة لاختراعاتهـ فلولا الأموال التي وفرتها له رؤوس الأموال، ما كان لينجز الكثير. فقد صرف على اختراع المصباح ما يقارب 150 ألف دولار في ذلك الزمن. أضف إليه أن طباعه فظّّة وأنّه محتال. فقد تحيّل على تسلا Tesla في مبلغ بقيمة 50 ألف دولار، وعده بها في مشروع لتحسين منتوج حين عمل لديه.”

الهدف الرئيسيّ من هكذا محتوى هو دفع القارئ للتفاعل وذلك بزيارة الموقع، التعليق وإن بشكل سلبي (سواء كان التعليق سلبيا أو إيجابيا تتساوى إحصائيات التعليقات) والمشاركة وإن بالسخرية من المقال. وهو ما يُعرف بأسلوب “الدعاية السلبية” من باب أن الدعاية جيدة سواء كانت إيجابية أو سلبية.

أسباب الظاهرة:

  • ازدحام السوق بالوسائط الإعلامية غير المبنية على أساس نقل المعلومة بل توجيه الرأي العام أو الربحية.
  • انعدام الحقوق الماليّة للصحفيين والكتّاب.
  • الانخفاض الحاد في هامش الحريات الذي لا يترك للكاتب مجالا لطرح المواضيع التي تشد اهتمام القارئ فعليا، بما في ذلك انعدام حقوق النفاذ للمعلومة.

الحلول المقترحة لمواجهة هذه الظاهرة:

  • التجاهل التام بإلغاء الاشتراك وعدم المتابعة.
  • توجيه الانتباه والمشاركة للجهات التي تعتمد المعايير النوعية.
  • الانتباه لكون الرضا عن المقال هو سبب مشاركته وليس الاستياء هو السبب. فمن يقدم لنا عنوانا واضحا هو من يحترمنا ويستحق أن نقرأ له وليس من يضيع وقتنا في ملأ الفراغات.

حلّ آخر لمواجهة هذه الظاهرة هو التنبيه والتوعية والتصحيح، وهو ما فعله علاء الدين على حسابه في فيسبوك وما تفعله الصفحة المصريّة ده بجد؟ Da Begad التي اختصّت بالتثبت من المحتوى المغلوط المنتشر على الانترنيت والبحث عن المعلومة الصحيحة، ثمّ تقديم الاثنين معا لتوعية القرّاء. شعارهم في ذلك “عشان ما تبقاش خروف/ حتّى لا تصبح خروفا”، يدعو بالسخرية فيه إلى أن لا يكون القارئ واحدا من قطيع يصدّق ما يقال وتابعا لنسق الرّداءة واللتلفيق المنتشر على الشبكة.

تحوّلت الفكرة من صفحة على الفيسبوك إلى موقع مختصّ dabegad.com يضمّ أقساما متنوّعة تبوّب الأخبار ( ) أو الإشاعات والموادّ المزيّفة حسب المواضيع وتقدّم التصحيح المناسب عبر توفير المعلومة والمصدر. تجربة عربيّة تعتبر رائدة وسط بحر من الأخبار اليوميّة الكاذبة التي تتدرّج من “كفتة عبد العاطي التي تعالج الايدز” إلى “انجيلا ميركل التي تقول بأنّها ‘ملك الحبشة’ الذي يستقبل اللاجئين المسلمين”.

شاركت في إعداد المادّة: نهى سعداوي

ملاحظة: مصادرنا هي ذاتها الروابط المتوفّرة في المقال.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

راسم علي

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..