سياسة

غامبيا جمهورية إسلامية ، ماذا بعد؟

الكاتب: رمزي محمدي

في خطوة مدوّية فاجأت العالم  أعلن رئيس غامبيا بلاده جمهورية إسلامية في خطوة قال إنّها تهدف إلى تخلّص غامبيا بشكل أكبر من ماضيها الاستعماري. وقال جامع في التلفزيون الرسم: “تمشيا مع الهوية والقيم الدينية للبلاد أعلن غامبيا دولة إسلامية.نظرا لأن المسلمين يمثلون أغلبية في البلد لا تستطيع غامبيا مواصلة الإرث الاستعماري.” ويمثّل المسلمون في غامبيا حوالي 95 بالمائة البالغ عددهم 1،8 مليون نسمة.

هذا الإعلان المفاجئ ليس الأول بالنسبة للرئيس الغامبي “يحي جامع” فقد سبق له أن أعلن سنة 2007 توصّله لعلاج بالأعشاب لمرض السيدا، وهو ما يذكّرنا بقصة الجنرال عبد العاطي الهزلية في مصر. كما أنّ الرئيس جامع يزعم أيضا امتلاكه معرفة واسعة بطرق العلاج العشبية التقليدية، وخاصة علاج الربو والصرع.

المواطن العربي المسلم الذي يقرأ هذا الخبر قد يفرح لوجود دولة مسلمة. وقد يقول على شاكلة منشورات الفايسبوك “لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله”، لكنّ هذا الإعلان المفاجئ لا يجب أن يعمي الأعين عن الدوافع الحقيقية وراءه وعن طبيعة النظام السياسي لغامبيا.

غامبيا، الانقلابات والحكم الفردي:

تولّى الرئيس  يحيى جامع السّلطة في بلاده في سن التاسعة والعشرين من عمره بعد قيادته انقلابا ناجحا في 22 جويلية 1994، أطاح من خلاله بحكم الرئيس المؤسّس داودا جاوارا. وقد كان هذا الانقلاب نمطيا كسائر الانقلابات في إفريقيا قاده الرئيس يحي جامع رفقة مجموعة من الضباط الصغار شكّل على إثره مجلسا عسكريا انتقاليا وعلّق العمل بالدستور ليصبح بعدها الرئيس الفعلي للبلاد ويفوز بكل الانتخابات التي تقام منذ عام 1996.

يوصف نظام الرئيس جامع في غامبيا بكونه نموذجا للحكم الفردي المستبد إذ يعتمد النظام السياسي بأسره على شخص الحاكم الذي يصور نفسه بأنه الرجل ” السوبرمان والمنقذ المخلص  لشعبه، فالاسم الرسمي للرئيس هو: “معالي الشيخ الأستاذ الحاج الدكتور يحيى عبد العزيز غونكونغ جيموس جامع”. ويتولّى  الرئيس يحي جامع العديد من المناصب فهو وزير الدفاع وقائد أركان الجيش، بالإضافة إلى إشرافه المباشر على العديد من الدوائر الحكومية.

وتمتلك حكومته الرئيس جامع أسوأ السّجلات في مجال حقوق الإنسان بإفريقيا تشمل أساسا الانتهاكات اختفاء الخصوم السياسيين، واعتقال المعارضين فترات طويلة دون تهمة أو محاكمة. وفي أثناء احتجاجات الطلاب عام 2000، اتهِمت الحكومة بقتل 14 طالبا وصحفيا. وطبقا لتقرير منظمة العفو الدولية في ديسمبر عام 2014 فإن  نشطاء حقوق الإنسان في غامبيا يتعرّضون بشكل روتيني للاعتقال غير القانوني والاحتجاز والتعذيب والمحاكمات الجائرة، والتحرش والتهديد بالقتل، مما يجعل من الصعب للغاية بالنسبة لهم القيام بأعمالهم.

وفي عام 2013 أدانت محكمة العدل التابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا غامبيا في كل من قضية تعذيب الصحفي موسى سعيد خان عام 2006، وقضية الإخفاء القسري للصحفي إبريما مانع عام 2004. وهو ما دفع المنظمة نفسها إلى عدم الاعتراف بنتائج انتخابات عام 2011 الرئاسية في غامبيا. ومن جهة أخرى، يمثل قرار الرئيس جامع الانسحاب من منظمة الكومنولث -التي طالبته بإصلاحات سياسية- دليلا آخر على عزلته الدولية والإقليمية.

يعيد الرئيس جامع إلى الأذهان نمط الخطاب المعادي للغرب ففي مقابلة معه -في أعقاب ثورات الربيع العربي- أجرتها هيئة الإذاعة البريطانية عام 2011، أكد أنه لا يخشى أن يلقى نفس مصير معمر القذافي أو حسني مبارك. وطبقا له فإن مصيره في يد الله سبحانه وتعالى، وإذا قُدّر له أن يحكم بلاده لمدة مليار سنة فإنه سوف يفعل لأنها مشيئة الله تعالى. ويحاول الرئيس جامع توظيف الخطاب الديني واستغلاله لخدمة أغراضه السياسية وضمان مساندة الشعب الغامبي المسلم.

غامبيا جمهورية إسلامية، ماذا بعد ؟ :

ما هي الإضافة التي يمكن أن يقدّمها هذا الإعلان لدولة 95 بالمائة سكانها مسلمون يجثم على رأسها دكتاتور قام بانقلاب ليحكم لمدة تفوق 20 سنة وله أسوأ سجل في إفريقيا من حيث انتهاكات حقوق الإنسان ؟

في هذا الإطار يقول المدون سيدي سانيه، وهو وزير خارجية سابق وقد أصبح معارضا، أنّ الرئيس يحي الجامع المتعطش لأموال التنمية بسبب سجلّه المؤسف فيما يتعلق بحقوق الإنسان وسوء الإدارة الاقتصادية يتطلّع إلى العالم العربي كبديل ومصدر لمساعدات التنمية، خاصّة وأنّ بلدان الخليج تعتمد كثيرا في معاملاتها الخارجية على قواعد الصيرفة الإسلامية بدعوى تحريمها للربا وموافقتها للإسلام، وتعدّ من أكبر رؤوس الأموال في العالم خاصة بعد الأزمة الاقتصادية الأخيرة.

إلى حدّ هذه اللحظة يعد إعلان الرئيس يحي جامع بعيدا عن كل ما هو تشبّث بالدين الإسلامي أو بالعودة للدين الإسلامي كمصدر أساسي للحكم والتشريع. ولا يختلف عن باقي إعلاناته الغريبة والصورية التي لن تغير شيئا في واقع هذا البلد الإفريقي الذي يحتل المرتبة 165 من 187 في مؤشر التنمية.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

رمزي محمدي

أستاذ في القانون الخاص

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..