سياسة و مجتمع

عن الأخلاق والمصالح .. يوم فشلنا أن نمنع الحرب

الكاتب: علي سام

في الفترة التي سبقت دخول القوّات الأمريكية والبريطانيّة اإلى العراق، كنت أعيش في بريطانيا وأعمل مع مجموعة من دعاة السّلام في محاولة باءت بالفشل لإيقاف الحرب. في تلك المرحلة، تكلّمت مع عدد كبير جدّا من الإنكليز لأنّني كنت أقف في الشّارع وأحمل اللّافتات وأدعو مع رفيقاتي ورفاقي للتّمعّن في العواقب. الكثيرون من الإنكليز الذين تكلّمت معهم كانوا معارضين لسياسة دولتهم وكانوا يقولون “هذه حرب من أجل النّفط وليست من أجل إيقاف الإرهاب.” وهذه فكرة كانت ومازالت منتشرة بين الناس.

في ذات الفترة، كانت هناك جماعات كثيرة تطالب الدّولة بعدم رفع أسعار البترول بنسبة قليلة جدّا. وكنت شخصيا أسأل نفسي عن السّبب الذي يدفع رئيس الوزراء البريطاني إلى تصوير الحرب على العراق على أساس كونها حربا لتحرير الشعب العراقي والتضامن معه. وهي رسالة لم يكن الإنكليز يصدّقونها وقادت إلى رفض أكثر من نصف الشّعب البريطاني للحرب. كنت أسأل نفسي: “لماذا لا يقول رئيس الوزراء للنّاس إنّ بريطانيا ستشارك بالحرب لتخفّض سعر البترول. فلا يتضايقون من ارتفاع أسعار المحروقات ويوفّرون من ميزانية التّدفئة وقيادة الشاحنات والسيارات فينتعش اقتصاد الأفراد والدّولة؟”. 

في تصوّري، وربّما أنا مخطئ، أكثر النّاس مستعدّون لإغلاق أعينهم عن مصير غيرهم إن كان ذلك سيقود إلى فائدة اقتصادية. ومن ثمّ يجدون تفسيرات أخرى لتجعلهم يتصوّرون أنّ فتح عيونهم ما كان ليغيّر أيّ شيء، فيعودون ويشعرون أنّهم كائنات أخلاقية. ليس هذا اتهاما لغيري، بل أنا أعيشه مع نفسي. فقد سمعت أنّ بعض الثّياب التي أشتريها في أوروبا تُصنع باستعباد الأطفال، لكنّني حين أرى أنّ القميص أرخص أشتريه وأقول لنفسي: “ربّما إن لم أشتريه فلن يجد هذا الطّفل المستعبد ما يأكله.” وهي في الحقيقة عبارة تخلو من مسؤوليّة أخلاقية لكنّني أضع تصوّرا أخلاقيّا أعلى وأقارن بين استعباد الطفل وجوعه، فأُصبح الشخص الذي سيطعمه بدل الشخص الذي يستعبده وأستمرّ بخداع نفسي لمصلحتي المادية.

أعتقد أنّ حكومات أمريكا وبريطانيا لا تريد أن تقدّم تصوّرا أنّ مصالحها هي ما يقود الحروب. هؤلاء يريدون أن يحتفظوا بالقدرة على خداع أنفسهم وتصوير الحروب على أساس كونها صراعا من أجل حقوق الإنسان أو رفاهه أو تحريره، في مواجهة شعوبهم وشعوب العالم. والشعوب التي لا تريد سوى البترول الرّخيص ترتاح لهذه الخدعة لتحفظ مصيرها في جنّات الخلد التي يدخلها كافّة المخادعين أمثالي.

اليوم ونحن نرى المرشّح الجمهوري دونالد ترامب يفوز بولاية أمريكية بعد الأخرى، نقف في عالم جديد في السّياسة الأمريكية والعالمية يكشف حقيقة النّاخبين. فترامب تخلّى بكلّ بساطة عن تفسير الأشياء بمنظار أخلاقي كاذب. ووقف بسهولة ليقول للناس “نعم أنا أكره المسلمين لكن هل أنتم تحبّونهم؟” “نعم أنا أريد المال على حساب الأخلاق الكاذبة لكن هل أنتم مستعدون لتصبحوا فقراء من أجل رفاه إنسان آخر؟”. 

نعم سيفوز دونالد وقبله فاز أشباهه الطّائفيون في بلادنا. والشّيء الوحيد الذي نخسره هو الأخلاق وإمكانية خلق عالم لا يشعر فيه العربي أنّه عدوّ غيره ولا يشعر فيه الأمريكي أنّه بحاجة لانتخاب من سيقتل أكبر عدد من البشر. عالم لا نريد فيه الدولار على حساب طفل مستعبد في مكان لا نريد حتى أن نراه.

  • الصورة المرافقة للمسيرات التي شهدتها العاصمة البريطانية لندن في فيفري 2003 ضدّ قرار الحكومة بالمشاركة في الحرب على العراق، وهي من أضخم المسيرات التي شهدتها البلاد، إذ قدّر عدد المشاركين فيها بين 750 ألفا ومليون مشارك.

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

علي سام

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..