سقط البطل

الكاتب: رومان صبري

لم يخسر أيّ مباراة قطّ، لقّبوه بالمنتصر وصاحب القبضة سعيدة الحظ، لكنه في تلك الليلة وجّه قبضته لخصمه الجديد في الجولة العاشرة، ولم يسقط الخصم كعادة من سبقوة يلهث ويلفظ أنفاسه! سقط هو، عندما باغته خصمه بضربة قاضية قاسية ردّا على لكمته. ستكون هذه القبضة، القبضة الجديدة سعيدة الحظ. سقط البطل ولم يشعر بأيّ شيء سوى أنّه سقط. هل عليه أن ينهض ويستكمل القتال ويصارع جسده ورأسه التي تدور كالفراشة حول النار؟ كان كشمعة تذوب ببطء.

قال لخصمه: “أنت خصم ولست صديقا أيّها الوغد. وكلّ ما حدث اللّيلة طبيعيّ ومألوف. في هذه الحلبة، يتصارع الرجال كي يسقط واحد ويفوز الآخر. ها أنا أتحدّث ولم تُخرسني ضربتك القاضية.” ونهض سريعا يتمايل كأنّه يقف فوق الفراغ. أنهى الحكم المباراة وقام بمعانقته كما يفعل الحكّام دائما عند هزيمة أحد الملاكمين، ليخبره أنّه بخير. شعر بأنّه يتصنّت على نفسه، وغضبه يراقب غضبه. الهتافات المنطلقة من الجمهور مرحّبة بالبطل الجديد تمزّق كلّ شيء داخله. حزن محبّيه كأنّه عقّار ما يفسد حقنة المورفين.

ظلّ يقول لرجاله حوله: “سقط البطل وقام. ها أنا واقف أمامكم، جسّوني وانظروا !” عندما يسقط الرّجال يخرّفون ويثرثرون ويشعلون الحرب، هذا ما ظنّه الجمهور.

الرجال لا يستطيعون التّعايش مع الهزيمة. ربما لن يعاشر زوجتة اللّيلة. ليس لأنّه منهك بل لأنّه سقط. ولن يلعب مع أطفاله الغميضى. سيختلق شجارا بسبب مياه الأمطار التي تسرّبت من البّاب، والطّعام الذي أعدّته زوجته ظنّا منها أنّه سيكون طعاما يتناولونه الليلة احتفالا بالنصر. ستخترق قبضته صدر الدّيك الرومي، سيحاول تحطيم كلّ شيء، كي ينهض ثانية ويمحو ذلك العار.

سيقول للربّ: “أنت الوحيد الذي يعلم كيف كنت أتغوّط من سعادتي، عندما أرى خصومي يتألّمون. فسقيتني من ذات الكأس لتكون الحياة طبيعية؟ أم أنّك لا تلتفت لهذه الأمور؟!

كان يجب أن ينتبه من البداية أنّ مساعده يقوم بتمشيط شعره الأجعد بـ”السيشوار” في المناسبات العامّة، وأنّ الدّيك الروميّ في الكريسماس يحتاج لسكّين حاد، وأنّ البطل السينمائي يحتاج إلى “دوبلير”.  كان عليه أن يدرك كلّ ذلك، ثمّ يسقط ليموت في منزله كما حدث بالأمس وهو يحتضن حزام بطولة العالم الذي لم يخسره أبدا ولن يخسره بعد سقطته. فقد تصدّر عناوين الصّحف: “البطل الذي سقط مرّة واحدة كي لا يسقط بعدها أبدا”. كان حديث المدينة والصحافة.

أسقطه الموت إلى الأبد بجلطة دماغيّة وهو في عمر الثلاثين. كان يؤمن أنّ الموت سيُسقط الكلّ. هزّ رأسه لزوجتة قائلا: “إنّ الحياة مليئة بالغضب والسّقوط، لكني أومن أنّني سقطت مرّة واحدة فقط. ولو خطفني الموت اللّيلة لن يُحسَب هذا سقوطا لأنّه الموتُ ليس أكثر!” كان يسرق النّصر من سقوط خصومه. رأى في قبضته النّصر والسّعادة.

اعترف قبل وفاتة بساعات:”لا مهرب لنا من الموت، علينا فقط  أن ننظر إلى السماء قليلا حتّى نشعر بالسّلام”. تقول زوجته أنّ ليلة وفاته كانت أجمل ليلة مارسا فيها الحبّ. “كان يبدو كطفل حديديّ لا يقهر. جاءني وأنا أستحم وقال لي تبدو ليلة جميلة على أيّ حال !”

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

رومان صبري

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..