سياسة و مجتمع

منهجية الثورة على الذات المتخلّفة -3- الخطوات الخمسة للتغيير

5-خطوات-للتغيير
الكاتب: موفق زريق

اقرأ الجزء الأول: منهجية إفراغ الكوب

اقرأ الجزء الثاني: كيف تتشكل الثقافة؟

1-  الاعتراف بمشكلتي أو مرضي أو خطيئتي (اعرف نفسك)

السائد لدينا هو تحميل أزماتنا أو مشكلاتنا أو أمراضنا على أسباب خارج أنفسنا أو ذواتنا، فإمّا نحمّلها للآخرين وإمّا النصيب وإمّا الشيطان وإمّا القدر وإمّا الحظ. أي  أننا نتبع منهج التبرير لأنفسنا وتبرئتها من أي مسؤولية عن أخطائها وإخفاقها وفشلها وآلامها على قاعدة أنّنا ملائكة والآخرون شياطين. وكما قال المسيح عليه السلام (نرى القشّة في عيون الآخرين، ولا نرى الخشبة في عيوننا). نفعل ذلك في أغلب الأحيان لكي نتوازن نفسيا ولكي نوهم أنفسنا أنّنا في أحسن حال سلوكا وأخلاقا والعيب كلّه في الآخر أو الظّروف والمقادير.

ننافق ونتّهم الآخر بالنفاق. لا نلتزم بالعهد ونبرّر لأنفسنا. نغضب ونسيء للآخر ونبرّر لأنفسنا. نظلم وندّعي العدل ونبرّر. نمارس الفوضى ونهمل ونبرّر لأنفسنا. نقصّر بالعمل ونتّهم الظّروف إلخ..  أي أنّنا لا نرى الخشبة في عيوننا ولا نعترف بعيوبنا ونقصنا وفشلنا وإخفاقنا ومسؤوليتنا الكاملة عنه. وهكذا، إطلاقا لن نتغيّر ولن نتطوّر ولن نتخلّص من ضعغنا وعجزنا بل سنتدهور ونتراجع وتتعقّد أزماتنا وتتفاقم آلامنا ونزداد إخفاقا وفشلا في الحياة. وتصبح أزماتنا مزمنة حدّ المرض النفسي مثل الاكتئاب والفصام والقلق القهري والانسحاب  من معترك الحياة.

حتى نعرف أنفسنا -أي أمراضنا- يجب أن نراقبها أكثر من أن نراقب عيوب ونقائص الآخرين. ويجب أن نعترف بها تجاه أنفسنا وحتى أمام الآخرين إن استطعنا وهذا دليل ثقة بالنفس وثقة بالآخر. أصعب شيء على المرء هو أن يعرف ويعترف بأمراضه ونقائصه بينه وبين نفسه. والبطولة أن يعترف بأخطائه تجاه الآخرين وهو موقف صعب على الإنسان ويسبّب له ألما وخللا في توازنه النفسي إلّا أنّه لابدّ منه من أجل أن يتحرّر منه ويتجاوزه إلى الأصحّ والأفضل ومن أجل توازن أرقى وأكثر سلامة وهدوء وثقة.

هذه الخطوة أهم خطوة وأخطرها. ولا يتمّ أيّ تغيير حقيقي وفعلي في أنفسنا بدونها. وغير ذلك من أساليب، كلها تزويق وماكياج ومظاهر لا تزيدنا إلّا وهما وتضليلا وكذبا على النفس ومزيدا من الألم والفشل. الاعتراف بالفشل أوّل خطوة ضروريّة على طريق النجاح الطويل. الاعتراف  يجب أن يتحوّل  إلى قناعة وإيمان عميق بأنّ لديّ مشكلة حقيقيّة يجب أن أعمل على حلّها والتخلّص منها.

2- جذور المشكلة وتشخيصها

بعد الاعتراف بالمشكلة، يجب سبر غورها في عقلنا وفي عتمة نفوسنا والكشف عن جذورها. فأيّ نمط سلوكّي سيّء هو نمط  تجذّر في نفوسنا وتبرمجت عليه شخصيتنا في طور الطفولة بشكل لاواعي نتيجة التربية المدجنة والمعلبة. وكما يفعل الطبيب حيث يعود إلى تاريخ وبدايات المرض ويتابع مسار تطوّره وتأزّمه وتغيرات أعراضه. يجب أن نفعل ذلك أيضا في تقصّي جذور هذا السلوك ومسار تراكمه وتعقّده. ومن ثمّ تحليله وتفكيكه إلى عناصره الأولية ودلالاته وآثاره المادية والمعنوية السيئة على تاريخنا الشخصي ونمط حياتنا الراهن المأزوم سواء في علاقتنا مع أنفسنا أو في تواصلنا مع الآخرين. وبهذا الشّكل، تنتقل المشكلة العقدة من ظلام وعتمة اللاوعي الذي يتحكم فينا آليا، إلى نور الوعي والإدراك الذي يمكننا من التّحكم بها والسّيطرة عليها، ومن ثم التخلّص منها. وقد تحتاج عملية التقصي والتحليل والتفكيك إلى مساعدة أصدقاء والحوار معهم إن كان لديهم خبرة ووعي أو حتى معالجين نفسيين حسب حدّة المشكلة وعمقها وتعقّدها. ومن أحدث أساليب العلاج المعاصرة، ما يعرف بالعلاج المعرفي، أي تغيير طريقة ومنهج تفكير المريض نفسه قبل علاج المشكلة. حيث يتولى علاجها بنفسه، بما امتلك من منطق معرفي حديث وجديد.

3- القناعة والإيمان بخطورة المشكلة

قوة أيّة عادة واستمرارها في حياتنا، مصدرها تآلفنا معها كما يتآلف المدمن والمخدرات رغم آثارها المدمّرة. لذا، لنتحرّر من أي عادة سيئة لابد من التعمق في جذورها ومصدرها. نفكّكها وندرك بعمق كم هي ضاره ومؤلمة إن استمرّت، على حياتنا وسعادتنا وتوازننا النفسي، أي كما هي عميقة جذورها في أنفسنا يجب أن يكون وعينا لبشاعتها عميقا. ويجب أن تتولّد عن هذا الوعي إيمان عميق بضرورة التخلص منها مهما كان الثمن. وهذا الإيمان بدوره يولّد الإرادة الصلبة والقوية بالتّحرر منها وتجاوزها بالتطبيق والممارسة نحو عادة أفضل أكثر انسجاما مع إنسانيتنا ومع حقائق العلم الجديد. كما فعل المسلمون حين سفحوا ما يملكون من الخمر في الطريق رغم تعلّقهم الشديد به.

4- الإرادة القوية المحركة

الوعي العميق يولّد الإيمان القوي. والأخير يولّد الإرادة الصلبة المحرّكة التي تطلق طاقتنا للتّطبيق والتّنفيذ والصّبر على الانتقال من مألوف قديم أدمنّا عليه إلى جديد حديث العهد بنظام حياتنا.

(إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتّى يغيّروا ما بأنفسهم) [الرعد:11]

لاحظوا لم يقل ما بعقلهم، ولم يقل ما بعلمهم، ولم يقل مابفكرهم، ولم يقل ما بوعيهم أو إدراكهم بل قال “ما بأنفسهم” وثمّة فرق كبير. ولاحظوا أنّ تغيير الله في القوم يتوقّف على تغيير النّاس أنفسهم بإرادتهم هم (القوم) أي أنّ الإنسان يصنع المقدّمات التي تؤدّي حتما إلى النّتائج. وهذه الحتمية بين المقدّمة والنتيجة من صنع الله وخلقه، وليست من صنعنا ونحن نسخّرها وحسب. فعل الإنسان سابق على فعل الله، بل نتيجة الله متوقّفة على مقدّمة الإنسان. مفاد ذلك أنّ كلّ عقولنا وأفكارنا ووعينا وإرادتنا لاىتجدي شيئا ولا تتغيّر بسببها نفوسنا وحياتنا، إذا لم ننقلها إلى حيّز التّطبيق والممارسة المستمرّة الكفيلة بتغيير أنفسنا وقيمنا الموجّهة لسلوكنا.

5- التطبيق الصارم

ما يحرّك الإنسان، حاجاته وقيمه وأخلاقياته وعاداته وتقاليده، أي ثقافته. وليس أفكاره أو نظريّاته أو مجرّد إدراكاته لأنّها لا تساوي شيئا بدون ممارستها وتطبيقها. وحتّى يتمّ ذلك لابدّ من إيمان قوي وإرادة صلبة وعقيدة عميقة. يجب إذن أن نعي ونؤمن بعمق أوّلا أنّ هذا النمط السلوكي ضار وسيء ومؤلم لحياتنا ومستقبلنا. ويجب أن تتولّد إرادة وعزم وإصرار وصبر على التنفيذ والتطبيق الصارم للتخلص منه من أجل نمط سلوكي أرقى وأفضل. أي وعي وإيمان -وليس إيمان فقط- بسوء وبشاعة القديم يرافقه وعي وإيمان وإرادة بتطبيق الجديد.

الوعي لوحده ليس كاف، الإيمان لوحده ليس كاف، الوعي والإيمان لوحدهما ليسا كافيين، بل لابدّ من عزم وإرادة صلبة معهما للتنفيذ (فإذا عزمت فتوكل على الله) [آل عمران:591]. إن عمق وقوة الألم الذي يعاني منه المريض والذي يؤدّي إلى شلل حياته يدفعه ويحرّك إرادته للذّهاب إلى الطّبيب وأخذ الدّواء بانتظام واتباع التّعليمات بدقّة وعلى وجه يخالف نظام حياته السّابق وعاداته السيئة السابقة بحثا عن الشفاء والصحة وهناء الحياة. فيتوقّف عن التدخين من أجل أن يشفى، يتوقّف عن أنواع لذيذة من الطّعام، يغيّر نظام نومه القديم المعتاد، يلعب الرياضة بدلا من الكسل اليومي، يترك الخمر.. والكثير من العادات يمكن أن يغيّرها بحثا عن توازن الحياة وتجنبا للألم والمرض.

قس على ذلك كلّ العادات وأنماط السلوك الضارة التي تسبب لنا الألم والقلق والاكتئاب.

اقرأ الجزء الأول: منهجية إفراغ الكوب

اقرأ الجزء الثاني: كيف تتشكل الثقافة؟

 

تعليقات الفيسبوك

التعليقات

عن الكاتب

موفق زريق

اضف تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

نشر..